للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كابن لله. فما هي حقيقة الأمر يا ترى؟ ينبغي الاعتراف هنا بأن المفسرين المسلمين القدامى كانوا جديين، وكانت لهم ميزة التساؤل عن هوية عزير هذا. بل ويصل الأمر بالطبري إلى حد القول بأنه ليس من المعتاد أن يعبر اليهود عن اعتقاد كهذا. أما البحث الأكاديمي الحديث فيقول لنا بعد طول تنقيب وتبحر (١) في الموضوع بأن عزير هذا ما هو إلا الحاخام الأكبر عزرا الذي ساهم في إعادة بناء المعبد اليهودي بعد عودة اليهود من منطقة وادي الرافدين إلى أورشليم (القدس) في فلسطين. ولكن هذه المعلومة التاريخية لم تعد تخطر على بال أغلبية المسلمين المعاصرين. لماذا لا يهتم المسلمون المعاصرون بمثل هذه المعلومات الدقيقة عن الآية؟ (٢) لأن القراءة التاريخية للقرآن أو قل التفسير التاريخي لآياته يؤدي إلى التشكيك بذلك التصور الأرثوذكسي المرسخ في الوعي الجماعي عن القرآن بصفته كلام الله الحرفي النازل من السماء على الأرض والمنقول من فم الله كلمة كلمة إلى البشر عن طريق النبي. هذه الصورة المرسخة في الوعي الجماعي الإسلامي تهتز إذا طبقنا التفسير التاريخي على القرآن. ولذلك فإنهم يتحاشونه بأي شكل ويتهمون المستشرقين الفيلولوجيين بمحاولة تدمير الإسلام (٣).

وهذا كلام في غاية الوضوح، فهو يريد أن يقول إن قول الله تعالى: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللهِ}، كذب على اليهود فلم يقولوا هذا أبدا، وقد أثبت البحث التاريخي أن عزيرا حاخام كبير فيهم فقط.

إلى هذه الدرجة


(١) هكذا يضخم الأمر، وكأن الموضوع مراقب بمجهري ضخم أو تحت تحليل مخبري معقد.
(٢) لأنها لا دليل على صحتها في نظرهم. وعلى فرض صحتها لا مناقضة بينها وبين ما ذكره المفسرون ومنهم الطبري أن عزيرا هذا كان عابدا فيهم كتب التوراة بيده كاملا من حفظه فلما عارضوه بنسخ كانت عندهم وجدوها مطابقة لها، فزعموا أنه لابد أن يكون ابنا لله.
(٣) نحو نقد العقل الإسلامي (٦٨ - ٦٩).

<<  <   >  >>