والغيبيات كلها من صنع البشر، وهي مجرد تخيلات أوجدها الفاعلون الاجتماعيون.
أحيانا يعبر أركون عن هذا الخيال بالمخيال الديني أو المتَخَيَّل الديني، وهو كما قال هاشم صالح بوق أركون: الفضاء العقلي المليء بالصور والمشحون بالأخيلة والأفكار الموروثة أبا عن جد (١).
قال أركون في الإسلام الأخلاق والسياسة (١٠): هكذا يقدم المتخيل الديني ذاته بصفته مجمل العقائد المفروضة والمطلوب إدراكها وتأملها، بل وعيشها وكأنها حقيقة، والتي لا تقبل أيّ نقاش أو تدخل للعقل النقدي المستقل.
ثم زاد موضحا في الصفحة الموالية: بهذا المعنى يمكننا القول بأن كل الدلالات التي لا تتعلق بشيء ملحوظ واقعيا ولا بفكر عقلاني هي دلالات خيالية أو مخيالية بالمعنى العلمي والمليء للكلمة (١١).
يقصد أركون بـ «شيء ملحوظ واقعيا» كل الغيبيات الإسلامية، فهي متخيل وخيال ليس إلا، بل كل ما خرج عن ما سماه فكر عقلاني فهو داخل في مسمى الخيال.
أي: كل العقائد الدينية الغيبية هي تصور ذهني لا أقل ولا أكثر، بمعنى أن الذهن يتصور وجودها لا أنها موجودة في نفس الأمر.
هذا المتخيل الديني يتحول إلى متخيل اجتماعي يهيمن على الفكر والثقافة وكل شيء داخل المجتمع. هذا المتخيل هو الذي يشكل المحرك الديناميكي والفعال للتاريخ. كما يقول أركون دائما (١١).
(١) الفكر الإسلامي (٤٤). وانظر تاريخية الفكر العربي (١٨٨ - ٢٣٩) والإسلام الأخلاق والسياسة (٨).