ولنصبر قليلا ولنتابع مع أركون مزاعمه، فقد قال في نفس الكتاب (١٣٢ - ١٣٣): ينبغي أن نعلم أن الدوائر الخاصة بما هو خارق للطبيعة، وبالتعالي الإلهي أو الميتافيزيقي، وبالآلهة الناشطة والمهيمنة، أو بالإله الواحد الحي، ولكن البعيد، وبالعقائد السحرية أو الأسطورية أو الشعبية أو الخرافية أو الدينية، هذه العقائد المرتبطة جميعها بالمتخيل ... أقول: إن ذلك كله هو أيضا من صنع الفاعلين الاجتماعيين (أي: البشر) فلو لم يخلق البشر هذه التصورات أو لو لم يؤمنوا بها لما وُجدت.
وهذا كلام في غاية الوضوح والظهور، فالدين والله والآخرة والملائكة والشياطين كلها تخيلات بشرية وهمية من صنع البشر.
إذا كانت كل هذه العقائد خيالات وهمية ماذا عن الرسول - صلى الله عليه وسلم -؟ وهل وجد يوما ما رجل اسمه محمد دعا قومه لعبادة الله وحده؟
عند أركون ببساطة وبتحليله السيميائي هناك فئة اجتماعية اجتمعت حول النبي في الحجاز ذات أهداف إيديولوجية سياسية انتصرت ورسخت مفاهيم جديدة أو حورتها مثل النبي رسول الله وهكذا، وحولتها إلى مثال أعلى متعال، أو قامت بما يسميه أركون الأسطرة والتقديس والتعالي (١).
هناك عوامل تاريخية اجتماعية في نظر أركون هي التي شكلت ما يسمى عندنا نحن المسلمين السذج الغافلين عن التحليل السيميائي الدلالي، هذه المفاهيم: الله، دين، رسول، ملائكة ...
أو بعبارة أركون: حولت أو صورت هذه المفاهيم الدينية الموروثة عن ديانات أخرى إلى مفاهيم جديدة ذات رمزية جديدة.