للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثم إنَّ الزيَّ مختلِفٌ، قومٌ منهمْ لَهُمْ زيٌّ، وآخرون زيٌّ. وهكذا دائمًا في أماكِنَ مُختلِفَةٍ، فأَيُّها المُعتَبرُ. وإذا اعتبرنا كلَّ إقليمٍ بِزِيِّهِ، فإذا وردَ أهلُ ذاكَ الإِقليمِ إلى إقليمٍ آخرَ، هل يُلْزَمُون باتِّباعِ إقليمِهِمْ أو بالإقليمِ الذي انتَقَلُوا إليهِ؟ ويتسلسلُ، وكلُّ ذلكَ دليلٌ عليهِ. وأمَّا اشتِراطُ الفقرِ، فاللَّفظُ لا دلالَةَ لَهُ عَلَيْهِ، ولكِنَّ العُرْفَ مُشعِرٌ بهِ، فيخرُجُ على ما إذا وَصّى للأيْتَامِ.

وقد قالَ الماوردي (١): "والرِّواياتُ فيهِ أنّه إنْ وصَى لأيتامِ قَبيلةٍ معيَّنةٍ ولا يَشْترِطُ الفقرَ في أيتامِ تلكَ القبيلةِ، وإلّا فوجهانِ، يُنْظَرُ في أحَدِهِما إلى اللَّفظِ، والآخرُ إلى العُرْفِ. فإنَّ العادةَ جاريةٌ في أنَّ الإِنسانَ لا يُوصي للأيتامِ الَّذينَ لهمْ ثَروةٌ. وكذلكَ إذَا وَصَّى لأرامل قبيلةٍ، فَفِيهِ ما ذكرنَاهُ. وكذلكَ الوصيَّةُ للزَّمْنَى، وقطعَ بَعضُهُم بأنَّه لا يشترِطُ الفَقْرَ، ومنهمْ منْ أجرى الخِلَافَ.

وإنْ جعلْنا الصوفيةَ منسوبِينَ إلى أهلِ الصُّفَةِ لمُشابَهَتِهم لَهُمْ في الأفعالِ والأحوالِ.

واشتراطُ الفقْرِ ظاهرًا، مُرادُهُ، كانَ حالَ أهلِ الصُّفةِ الفَقْرُ، وكَذا إذَا جَعلْنَاهُم منسوبينَ إلى لُبسِ الصُّوفِ، فإنَّ لُبسَ الصُّوفِ في الغالبِ كانَ لأهلِ الفاقَةِ والمُتَقلِّلِينَ من الدُّنيا، الراغِبينَ عَنْها.


(١) الماوردي: (أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب ت ٤٥٠ هـ)، ولد بالبصرة وتفقه بها، نبغ في الفقه بعد ارتحاله إلى بغداد، كان قاضي القضاة سنة ٤٢٩ هـ، كان موضع ثقة ملوك بني بوية حول مسيرته انظر:
ابن الجوزي: المنتظم، ٨/ ١٥١، ابن الأثير: اللباب في تهذيب الأنساب، ٣/ ٩٠. البغدادي: تاريخ بغداد، ١٢/ ١٠٢، السبكي: طبقات ٥/ ٢٦٧، ابن كثير: البداية، ١١/ ٨٠. ياقوت: معجم البلدان ٥/ ٤٠٦، الاسنوي: طبقات الشافعية (تحقيق عبد اللَّه الجبوري، ط. بغداد سنة ١٩٧١ م).

<<  <   >  >>