للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأَمَّا الفُقَهاءُ والمُحدِّثونَ والمقرِئُونَ وغيرُهم ممَّا هوَ في مَعناهُمْ، فلا يشترطُ الفقر فيهِم، إذ لَا نعرفُ فيهِ خِلافًا، بل يُعطى مَنْ شملَهُ الاسمُ، فالصُّوفيُّ حقيقةً، أنَّه مُتَخلِّقٌ بأَخلاقٍ نفسانِيّةٍ. والغَزاليُّ وافقَ على ذلكَ، ولتلكَ الأخلاقِ أشياءٌ في الظَّاهرِ تدلُّ عليْها، والفقرُ لَا يدلُّ عليهَا ولَا داخِلًا في حقيقَتِها العُرْفِيّةِ.

وهذهِ الطائِفةُ قد استندتْ في طريقِها إلى عليِّ بن أبي طالبٍ -رضي اللَّهُ عنهُ-، وقَدْ ذكر الحافِظُ أبو محمّدِ بنِ حزمٍ (١)، أَنَّهُ كان غنيًّا، وأنَّه ما ماتَ إلّا عن ثروةٍ. وآخرُ شيوخِ الطَّائفةِ، الإِمامُ أَبو حفْصٍ، عمرُ السُّهروَردي (٢). وقد ذكرَ النَّاسُ، أَنَّهُ كانَ منْ أهلِ الثَّروةِ، وأنفقَ أموالًا في وجوهِ البِرّ، وتولَّى مواضِعَ، وأرسلَ رسولًا عنِ الخِلَافةِ وغيرَ ذلكَ، ولكنَّ العُرْفَ مُخَصَّصٌ، وَظاهِرُ الوقفِ عليهِم، فَضْلَةُ الفقرِ.

وأَمَّا الحِرَفُ والاكتِسابُ، فالحِرَفُ مختلِفَةٌ، مِنْها ما هُوَ ممدوحٌ، كالتَّدريسِ وأشباهِهِ، فلا يُخْتَلَفُ في أنَّ هذا لا يمنعُ الاتِّصافُ بهِ الاستِحقَاقَ، ومنهَا ما يُنسَبُ مُتَعاطِيهِ في العُرْفِ إلى دناءَةٍ كالحجَّامِ والقَمَّامِ، وهذا قد يُقالُ في الصُّوفيّ: إنَّ اختيارَهُ حِرفةً دنيئةً يُنافي التصوُّفَ، وقد اعتبرَ


(١) هو علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الأندلسي، أبو محمد ت ٤٥٦ هـ، فقيه، أديب، أصولي، محدث، حافظ، متكلم، أديب مشارك في التاريخ والأنساب والنحو واللغة والشعر والطب والمنطق والفلسفة، معروف مشهور، انظر، ياقوت: معجم الأدباء، ١٢/ ٢٣٥، كحالة: معجم المؤلفين، ٧/ ١٦، الذهبي: سير أعلام النبلاء، ٨/ ١٨٤، القفطي: تاريخ الحكماء ٢٣٢، ابن خلكان: وفيات الأعيان، ٣/ ٣٢٥.
(٢) هو شهاب الدين، أبو حفص عمر بن محمد بن عموية السهروردي ت ٦٣٢ هـ, شافعي المذهب، تخرج عليه خلق كثير من الصوفية، صحب أبا النجيب السهروردي (عمه) والشيخ عبد القادر الجيلاني، صاحب عوارف المعارف، انظر، أبو الفيض: جمهرة الأولياء ٢/ ٢٠٠، الأسنوي: طبقات الشافعية ٢/ ٦٣.

<<  <   >  >>