للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الفقهاءُ ذلكَ في الشهادةِ؛ فقد رجَّح جماعةٌ منهُم قبولَ شَهادَةِ منْ يتعاطَى حرفةً دنيئةً، وفيهِ وُجوهٌ وتفاصيلُ، مذكورةٌ في كتب الفقهِ.

ومنهَا ما هوَ مُتوسِّطٌ بينهُما كالوِرَاقةِ والخِيَاطَةِ وشَبَهِهِمَا، ولكنَّ القيامَ بِها من فروضِ الكِفايةِ، وليسَ تَعاطِيها دَناءَةً، فالمُتَّصِفُ بِها لا يَخلو مِنْ أمرَيْن:

إمَّا أَن يكونَ مستغنيًا عنْها بأَنْ يكونَ لَهُ غِنًى أو معلومٌ في الخانقاه، أو في وظائفِ، العلمِ تُغنِيهِ عنْ تعاطيها أو يكونَ محتاجًا إليها للقيامِ بنفسه إنْ كانَ منفرِدًا أو بِعيالِهِ، فإنْ كانَ مستغنيًا فتعاطِيها في الحَانُوتِ أو الكسبِ بها يُؤَثِّر في منعِ الاستِحقاقِ لأنَّ فيهِ طلبًا لِزيادَةِ مالٍ، والتصوُّفُ مبناهُ على التَّقلُّل منَ الدُّنيا، وقد قالَ: "اللَّهُمَّ اجعلْ رزقَ آلِ محمدٍ قوتًا" (١)، وقال: "يدخُلُ الفقراءُ قبلَ الأغنياءِ الجنةَ بخمسِ مئة عامٍ" (٢).

وإنْ كانَ محتاجًا إليهَا، فالشَّرعُ طلبَ منهُ الاكتسابَ، وقالَ: "لأنْ يأخُذَ أحدُكُمْ حبلةً عَلى عَاتِقِهِ فَيحتَطِبَ خيرٌ لهُ" (٣) -الحديث-.

وَقالَ: "كفى المرءَ إثمًا أن يُضيِّعَ من يَقُوتُ" (٤). وفي لفظٍ: "من


(١) رواه البخاري (١١/ ٢٥٠) في الرقاق: باب كيف كان عيش النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، ومسلم رقم (١٠٥٥) في الزهد، وانظر تتمة تخريجه في "جامع الأصول" (٤/ ٦٧١). (م).
(٢) رواه الترمذي رقم (٢٣٥٤) في الزهد: باب ما جاء أن فقراء المهاجرين يدخلون الجنة قبل أغنيائهم، وهو حديث حسن، وانظر "جامع الأصول" (٤/ ٦٧٣). (م).
(٣) رواه البخاري رقم (١٤٧٠) في الزكاة: باب الاستعفاف عن المسألة، و (١٤٨٠) باب قول اللَّه تعالى: {لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا} [البقرة: ٢٧٣] و (٢٠٧٤) في البيوع: باب كسب الرجل وعمله بيده، و (٢٣٧٤) في المساقاة: باب بيع الحطب والكلا, ومسلم رقم (١٠٤٢) في الزكاة: باب كراهة مسألة الناس. (م).
(٤) حديث صحيح رواه مسلم رقم (٩٩٦) في الزكاة: باب فضل النفقة على العيال، وأبو داود رقم (١٦٩٢) في الزكاة: باب صلة الرحم. ورواه أحمد في "المسند" (٢/ ١٦٠ =

<<  <   >  >>