للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

به عن حبّه الرسول اكتسب عظمة ورقيا من ذلك الصدق في الحب، فأن الحب الصادق يعطي المعنى الصادق في الكلمة الصادقة ويتواضع شوقي تجاه هذا الشاعر العظيم ويقر حالفا بالله بأنه لم يقصد بكتابته (نهج البرده) أن يعارضه، وإنما هو يعرف أن هذ الشاعر لا يمكن أن يضاهي، فالإمام البوصيري في نظر شوقي كالسيل الممطر، والسحاب المعترض في الأفق، فهل يستطيع شوقي بتواضعه أن يكون على نفس المستوى الفني؟! وهو يقر مرة أخرى أنه لا قبل له بهذا الشاعر الكبير وإنما يتمنى أن يكون إلى جواره طالبا من الله أن يحتسب شعره مديحا إلى جوار مدح الإمام البوصيري لخير البشر، ويقول شوقي: أن تعرضه لمدح الرسول صلّى الله عليه وسلّم يصيبه بالبكم وكأنما هو أبكم أمام فصاحة سحبان الذي يضرب بفصاحته المثل وكأنما يريد شوقي أن يبين وقوفه أمام البردة للإمام البوصيري وفي ذهنه القول الشهير (أين الثرى من الثريا) وهذا نوع هو التواضع المطلوب في شاعر كبير ليكون المثل الأعلى للأجيال المقبلة في قول الشعر.

ويمضي شوقي فيقول:

البدر دونك في حسن وفي شرف ... والبحر دونك في خير وفي كرم

شم الجبال إذا طاولتها انخفضت ... والأنجم الزهر ما واسمتها تسم «١»

والليث دونك بائسا عند وثبته ... إذا مشيت إلى شاكي السلاح كمي «٢»

فيعلن أن البدر والبحر والجبال والنجوم والاساد، بل كل هذه الأشياء الحسية الموجودة ما هي إلا صغائر إذا قورنت بالرسول صلّى الله عليه وسلّم البدر في الحسن والبحر في عطائه وخيره وكرمه، والجبال في علوها ورفعتها، والأنجم الزهر في لمعانها وازدهارها، والأسد في الشجاعة وقوة البأس على الأعداء، كل ذلك لا يساوي القليل إلى جانب الرسول صلّى الله عليه وسلّم.


(١) تسم: يقال: واسمه في الحسن فوسمه، قلبه فيه، انخفاض الجبل كناية عن ظهورها قصيرة بالنسبة لارتفاع قدره صلّى الله عليه وسلّم وعلو شأنه.
(٢) الكمى: لا بس السلاح.

<<  <   >  >>