للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويستمر شوقي في المقارنة، فهو بعد أن قارن بين الحضارة الإسلامية وحضارات الأقدمين وبين الشرائع الإسلامية والتشريعات الاخرى، ينحو ناحية المقارنة بين الرجال الذين قاموا على هذه الحضارات ويضرب مثلا بقياصرة الروم رمزا لكل الملوك السابقين فراعين أو أكاسرة، مقارنا أياهم بخلفاء بني العباس الذين عاصروا بعضهم، وهل يمكن أن نقارن من خلال حب التملك وشهوة الظلم واذلال الرجال، وبين ما تميز به الخلفاء: الرشيد والمأمون والمعتصم وهم الذين كانوا يحجون عاما ويحاربون ويجاهدون في سبيل الله عاما اخر دفاعا عن حدود الله وثغور المسلمين في أرجاء المعمورة؟، هل نستطيع أن نقارن بين الظلم المتجسد في تصرفات هؤلاء القياصرة وبين نشر العدل عند هؤلاء الخلفاء ونقارن بين جهل أولئك القياصرة والأكاسرة وبين علم هؤلاء الخلفاء الذين كانوا إذا جلسوا إلى مجلس العلم كانوا يطأطئون الرؤوس احتراما وتقديرا للعلم والعلماء وهم فيما هم فيه من هيبة الحكم وقوة السلطان؟!، وكان هؤلاء الخلفاء في كرمهم كالمطر يمطرون خيرا فإن هم أصابوا أرضا جدباء قاحلة تخضر وتجود بالخير وتشيع فيها الراحة والسكينة، وإذا قورن هؤلاء الخلفاء بأولئك القياصرة، فلا غرو أن الشاعر يفضل هؤلاء الخلفاء العظماء، ويضعهم في مرتبة سامية بينما يضع أولئك القياصرة بين الأشحاء والبخلاء.

ويقول:

خلائف الله جلو عن موازنة ... فلا تقيس أملاك الورى بهم «١»

من في البرية كالفاروق معدله ... وكابن عبد العزيز الخاشع الحشم «٢»

وكالامام إذا ما فض مزدحما ... بمدمع في ماقى القوم مزدحم «٣»

الزاخر العذب في علم وفي أدب ... والناصر الندب في حرب وفي سلم «٤»


(١) خلائف الله: هذا قول مستأنف عام لجميع الخلفاء المتقدمين والمتأخرين.
(٢) المعدلة: العدل.
(٣) الإمام: هو الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهح، وماقى العيون: أطرافها مما يلي الأنوف وهي مجارى الدمع.
(٤) الندب: يقال رجل ندب أي خفيف الحاجة سريع طريف يجيب.

<<  <   >  >>