للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يطرح مأساة ذات شقين، وهي مقتل واستشهاد عثمان بن عفان رضى الله عنه وأرضاه عندما طعنه قاتله، فهذا أول جرح من جروح الإسلام أن يغتال مسلم خليفة رسول الله، والشق الثاني من هذه المأساة هو نزيف الدم الذي سال من جسد عثمان بن عفان على أوراق المصحف الذي كان بين يديه يقرأ فيه، جرحان لن يلتئما.

وتعود بنا بذاكرة الشاعر إلى دور أبي بكر الصديق رضى الله عنه وانتصاره على المرتدين في حروب الردة، وكذلك دوره في الفتوحات الإسلامية بعد وفاة الرسول صلّى الله عليه وسلّم وخدماته الجليلة في نشر الإسلام، وعلى الرغم من ذلك لم يسلم من الاتهامات التي وجهت إلى خليفة رسول الله لأنه كان شديد الحرص في الحفاظ على دين الإسلام والدفاع عنه في أوقات المحن العصبية التي اشعل نيرانها كثيرون من أدعياء الإسلام بعد وفاة الرسول عليه الصلاة والسلام وأظهر حزما وعزما لا يلين في مواجهتها واخمادها.

ويقول شوقي:

واحدن بالراشد الفاروق عن رشد ... في الموت وهو يقين غير منبهم «١»

يجادل القوم مستلا مهنده ... في أعظم الرسل قدرا، كيف لم يدم

لا تعذلوه إذا طاف الذهول به ... مات الحبيب فظل الصب عن رغم «٢»


(١) واحدن بالراشد الفاروق: يقول ما ظنك بتلك المحن التي تنحرف بعمر رضى الله عنه عن الرشد وله ما تعلم من كمال الرشد ووقور العقل وصدق اليقين وتذهله عن إدراك أمر من أظهر البديهات لديه: هو أن يدرك الموت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
(٢) لا تعذلوه: وذلك أنه لما قبض رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقال الناس: مات رسول الله أسرع عمر إلى سيفه وتوعد من يقول ذلك وقال: إني لأرجو أن يقطع أيدي رجال وأرجلهم فلما حضر أبو بكر وأخبر الخبر كشف عن وجه رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) ثم أكب عليه فقبله وبكى ثم قال: بأبي أنت وأمي والله لا يجمع الله عليك موتتين أما الموتة التي كتبت عليك فقدمتها ثم خرج إلى الناس وقال: إلا من كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت.

<<  <   >  >>