وأن يعرف كل ما حوت الدنيا من علوم حتى السر المكنون ثم ينتقل شوقي إلى معجزة أخرى أكثر واقعية وهي معجزة الهجرة وكيف خرج بصحبة أبو بكر الصديق ويطارده سادة قريش عصبة الشرك ويحاولون اكتشاف أثره وبأمر الله صموا عن سمع تسبيح الرسول صلّى الله عليه وسلّم وصديقه رضى الله عنه وهما أقرب إليهم من حبل الوريد، ويأمر الله العنكبوت والحمام بالتمويه على الكفار بوجودهما بباب الغار ثم يؤكد أنه لولا أن محمد بن عبد الله صلّى الله عليه وسلّم ورفيقه رضى الله عنه في رحلة الهجرة قد تواريا واستترا وضما إلى جناح الله لما قامت لهذا القران قائمة ولولا تعداهما وحب الله لهما لما تركهما الكفار ولولا حماية الله لهما ما سلما.
ونجد الامام البوصيري في هذا الجزء وان كان يتكلم عن المعجزات إلا أنه يخاطب عقل المسلم ويذكره بأوصاف يعرفها كل من قرأ السيرة لا يختار ما هو مبهر للخيال ولا يختار الفاظا غير معتادة بل يتحرى الكلام العربي والألفاظ الفصحى من أصولها اللغوية بعيدا عن التراكيب اللغوية المعقدة والأخيلة المركبة انما كتب في لغة شعرية رصينة وقورة. أما أمير الشعراء أحمد شوقي فقد اختار أسلوبا مغايرا هذه المرة لأسلوبه المعتاد، فقد اختار أسلوبين متناقضين: الأسلوب الأول تحرى فيه البساطة حتى ليبلغ مبلغ النثر الفني ولكن إذا دققنا النظر في قراءته متأنية نجد أنه شعر وأي شعر يلتزم بهذا الأسلوب في معجزات الرسول كالعلم والقراءة وهو الأمي، ثم معجزة القران الكريم ليبين من خلال بساطة تراكيبه وبساطة الفاظه وبساطة معانيه عظمة القران واعجازه، وحتى عندما يبدأ في وصف معجزة الاسراء نجده يلتزم بهذه البساطة في الأسلوب واختيار الكلمات والتراكيب الشعرية واللغوية، ولكنه عندما يبدأ في وصف رحلة المعراج إلى السماء فيغير منحناه الشعري رغم التزامه بالوزن والقافية ويغير من روح الشعر، فالألفاظ تمتليء بالظلال وبالنور، وتمتليء بالخيال الجامح مع الاهتمام باختيار الألفاظ، فالألفاظ لها جرس خاص، إنها كلمات لم يسبقه إليها شاعر من كتاب البردة أو مداحي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ولم يصلوا لمثلها ومنها: (جبت السموات.. منورة درة اللجم.. ركوبة لك من عز ومن شرف.. مشيئة الخالق الباري.. ويا محمد