للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وبهذه الافتتاحية يقصد شاعرنا أن يظهر رغبته في الحياة فيتذكر الأشياء الجميلة في حياته السابقة على إهدار دمه، فما أن أهدر دمه حتى فارقته تلك السعادة المتمثلة في الصديقة ذات الخصال الجميلة والصفات البديعة، ذات الجسد الممشوق والفم المرسوم المعطر ذى الرضاب الشهي الذي يعتبره الشاعر أكثر سكرا من الخمر المعتقة، ويبدو في ذلك مدى أثر قرار الرسول صلّى الله عليه وسلّم على حياة هذا الشاعر، ومدى الحرمان الذي أصابه من جراء فراقه هذه الحبيبة نظرا لعدم قدرة الشاعر على الاستقرار هربا من اهدار دمه.

ويقول:

شجت بذى شيم من ماء محنية ... صاف بأبطح أضحى وهو مشمول «١»

تنفي الرياح القذى عنه وأترفه من ... صوب سارية بيض يعاليل «٢»

فيالها خلة لو أنها صدقت ... بوعدها أولو أن النصح مقبول

لكنها خلة قد سيط من دمها ... فجع وولع واخلاف وتبديل «٣»

فيستمر الشاعر في وصف رضاب سعاد، بل ويركز على وصف فراق هذا الرضاب فكأنه ماء بارد زلال تعرض للرياح الشمالية حتى صار أشد بردا من كل ماء، وقد أتى هذا الماء من منعطف الوادي بعد أن مر على البطاح التي فيها دقائق الحصى فصار نقيا صافيا باردا وهي صفة من أطيب صفات الماء، الذي يعتبر في الصحراء أغلى وأشهى وأمتاع ما يتمناه البدوي الظاميء وكأنه يقول: ان رضابها الحياة لأن الماء هو أصل الحياة، ومع ندرته في البادية صار أصل الحياة النادرة،


(١) شجت: مزجت حتى انكشرت سورتها، ذو شيم: ماء شديد البرد، المحنية: منعطف الوادي، الأبطح: المسيل الواسع الذي فيه دقات الحصى، أضحى: أخذ في وقت الضحى قبل أن يشتد حر الشمس مشمول، الذي ضربته ريح الشمال حتى برد.
(٢) القذى: ما يقع في الماء من تبين أو عود أو غيره مما يشوبه ويكدره، أفرطه: سبق إليه وملأه، الصوب: المطر، الغادية: السحابة تمطر غدوة، اليماليل: الحباب الذي يعلو وجه الماء. الخلة: الصديقة.
(٣) سيط: أي خلط بلحمها ودمها الصفات المذكورة بالبيت، الفجع: الإصابة بالمكروه كالهجر، الولع: الكذب، أخلاف: خلف الوعد.

<<  <   >  >>