للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ووصف الشاعر لهذا الماء الذي يعتبر رمزا لرضاب معشوقته أو حبيبته من واقع البيئة، فالرياح تمر على هذا الماء فتبعد عنه القذى والأقذار وما يشوبه من شوائب كأعواد الأشجار وحبات الرمل، ويؤكد مرة أخرى أن هذا الماء البارد الصافي ليس فقط بهذه الصفة ولكنه ذو نكهة وطعم أقرب ما يكون إلى الخمر وبخاصة إذا أمطرت السحب السارية التي تأتي ليلا فتملأ هذا الماء بالحباب والفقاقيع وكأنه كأس من الخمر المعتقة.

ويتداخل الجانب النفسي مع الحسي لدى الشاعر إذ إن هذا الرضاب في نظره لا يشرب للرّيّ فقط، وإنما هو ينفعل في أثناء شربه، ثم يمجد الشاعر صديقته فيقول إنها صديقة جميلة كريمة، ولو أنها صدقت في وعدها وقبلت النصح، لما اشتاق إليها، بل إنها كلما نصحت لم تقبل النصح ولو أنها قبلت هذا النصح لكانت في أكمل الصفات، وأتم الخصال، وأحسن الأحوال، ولكن الشاعر يعتبر أن هذه المرأة المعشوقة قد اختلط دمها بلحمها مما يؤلم ويفجع العاشق، فهي مصرة على الهجر والكذب والاخلال بالوعد وكأن هذه الصفات التي تبعده عنها تقربه منها، فالوصل لا يأتي إلا بالهجر والولع والرغبة في إدراك شيء ليس في متناول اليد.

ثم يقول:

فما تدوم على حال تكون بها ... كما تلون في أثوابها الغول «١»

وما تمسك بالعهد الذي زعمت ... إلا كما يمسك الماء الغرابيل «٢»

فلا يغرنك ما منت وما وعدت ... أن الأماني والأحلام تضليل «٣»

كانت مواعيد عرقوب لها مثلا ... وما مواعيدها إلا الأباطيل «٤»


(١) فما تدوم: فما تقوم، الغول: الساحرة الجن.
(٢) وما: ولا، تمسك: (مضارع حذف إحدى تأيه) يشبه تمسكها بالعهد بأمساك الغرابيل للماء مبالغة في النقض.
(٣) ما منت: ما منتك إياه.
(٤) كانت: صارت، عرقوب: رجل اشتهر عند العرب باختلاف الوعد والأباطيل: جمل باطل على غير قياس.

<<  <   >  >>