للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فيصف الشاعر سعاد بأنها امرأة ذات مزاج متقلب، فهي تارة محبة مقبلة وتارة كارهة مدبرة، تارة تبدي رغبة الوصال، وطورا تبدي رغبة الهجران، أنها لا تدوم على حال، فتتلون بشتى الألوان حتى لا يعرف عاشقها حقيقة مشاعرها النفسية تجاهه؛ هل هي تحبه؟ هل هي تكرهه؟ هل تذكره؟ أم تنساه؟ هل ترغب فيه، أم تنفر منه؟ كل هذه صفاتها وهو يشبهها في ذلك بالغول الذي يعرفه بدو الصحراء بأنه ساحرة الجن تظهر في الفلاة أمام الناس بألوان وأشكال شتى جميلة موشاة حتى يتبعها من يراها، ثم تتغير إلى حال كريهة تثير الفزع والخوف في نفوس من يتبعها، وهذه المعشوقة لا تتمسك بوعد قطعته على نفسها أو عهد منحته عاشقا من عشاقها، فهي كذوب في وعودها وعهودها وكأنها غرابيل وضع فيها الماء للحفاظ عليه، فهل من الممكن أن تحفظ الماء هذه الغرابيل ذات الفتحات الواسعة والثقوب الكبيرة..؟

لا يمكن لإنسان عاقل أن يصدق أن الغرابيل تحفظ الماء، ولا يمكن أيضا من وجهة نظر الشاعر أن تحافظ سعاد على وعودها تجاهه، فلا تصدق أيها الإنسان ما تعدك به الأنثى وما تمنيك به، كما أنه لا يصدق أن سعاد ستفي بما وعدت ومنت، فإن وعودها وأمانيها ما هي إلا سراب في سراب، وأحلام في أحلام حتى أنها بدأت مثل هذا السراب للرجل الشهير بين العرب بعدم احترامه للمواعيد ولم تكن مواعيده إلا أكاذيب باطلة، وهو (عرقوب) الذي يضرب به المثل في خلف المواعيد.

ويمضي الشاعر فيقول:

أرجو وامل أن تدنو مودتها ... وما إخال لدينا منك تنويل «١»

أمست سعاد بأرض لا يبلغها ... إلا العتاق النجيبات المراسيل «٢»


(١) التنويل: العطاء والمراد به (هنا) الوصل.
(٢) العتاق: الكرام، والنجيات: جمع نجيبه وهي القوية الخفيفة أي السريعات، والمراسيل: جمع مرسال وهي السريعة.

<<  <   >  >>