للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

طردوهم من ديارهم ومن أرضهم بغير حق، وهؤلاء الرجال المهاجرون لهم من علو النفس والكبرياء ما جعلهم يرتفعون بصفاتهم الحميدة فوق الدنايا وإلى مكانة سامية، واستمروا في هجرتهم يعدون أنفسهم حتى صاروا قوة لا يستهان بها ويستطيعون الان أن يظهروا قوتهم ويواحدوا شأنهم ويلتفوا تحت راية الإسلام.

وفي النهاية يقول كعب:

بيض سوابغ قد شكت لها حلق ... كأنها حلق القفعاء مجدول «١»

لا يفرحون إذا نالت رماحهم ... قوما وليسوا مجازيعا إذا نيلوا «٢»

يمشون مشى الجمال الزهر يعصمهم ... ضرب إذا عرد السود التنايل «٣»

لا يقع الطعن إلا في نحورهم ... وما لهم عن حياض الموت تهليل «٤»

فنجده بعد أن تعرض لوصف المسلمين كأصحاب أخلاق وقيم ودين يصفهم في هذه الابيات كمقاتلين عظام، فهؤلاء المسلمون يلبسون دروعا من الحديد الذي لا يصدأ، مجلوة طويلة، تقي لابسها من أشواك النباتات في الصحراء، وهذه الدروع مجلوة ومجدولة، فهى محكمة الصنع من كافة الوجوه وهؤلاء الأبطال الذين يلبسون تلك الدروع لا يسكرهم النصر ولا تؤثر فيهم الهزيمة ولا تجعل الجزع والاشفاق يتطرق إليهم، فهم أن انتصروا يفرحونا لنصر


(١) بيض: مجلوة صافية مصقولة لأن الحديد إذا استعمل لم يركبه صدأ. والسوابغ: الطوال السوابل، وشكت: أدخل بعضها في بعض ويروي (سكت) بمعنى ضيقت، والقفعاء: يعني ضرب من الحسك وهو نبات له شوك ينبسط على وجه الأرض تشبه به حلق الدرع، ومجدول: محكم النعة.
(٢) مفاريح: كثيرو الفرح، ونالوا: أصابوا، ومجازيع: كثيرو الجزع.
(٣) الزهر: البيض البشرة، يعصمهم: يمنعهم، عرد: فرأو عرض عن قرنه وهرب عنه، التنابيل: جمع تنبال وهو القصير.
(٤) وقوع الطعن في نحورهم: دليل على أنهم لا ينهزمون حتى يقع الطعن في ظهورهم، وحياض الموت: موارد الحتف يريد بها ساحات القتال. تهليل: تأخر.

<<  <   >  >>