للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فيشرح الإمام البوصيري معاناته هذا الحب لمن يلومه، فإن حبه طاهر وعفيف، حب عذري، إذ عبر عن خوالج النفس، وأثر هذا الحب فيها دون أن يتعرض للصفات الحسية لمحبوبته، وشاع مثل هذا النوع من الغزل والتعبير عن الحب في قبيلة بني عذرة التي شاعت بين ظهرانيهم قصص الحب الخالدة.

ويقول:

عدتك حالى لا سرى بمستتر ... عن الوشاة ولا دائي بمنحسم «١»

محضتنى النصح لكن لست أسمعه ... أن المحب عن العذال في صمم «٢»

فيبين أن النصح واللوم على ذلك الهوى العذري لا يجدي ولا يسمع لأنه في حالة غير حالته العادية، بل يمر بمرحلة لا شعورية خاصة وكل ما قدم له من نصح لا يدركه ولا يعيه لأن شعوره وأحاسيسه غائبة شاردة مع محبوبته بذي سلم.

ويقول:

انى اتهمت نصيح الشيب في عذل ... والشيب أبعد في نصح عن التهم «٣»

فان امارتى بالسوء ما اتعظت ... من جهلها بنذير الشيب والهرم «٤»

ولا أعدت من الفعل الجميل قرى ... ضيف الم برأسى غير محتشم «٥»

لو كنت أعلم أنى ما أوقره ... كتمت سرا بدا لى منه بالكتم «٦»


(١) عدتك حالي: جاوزتك حالي، فهي لا تضرك ولا تعنيك، وقد علمها غيرك المنسجم: المنقطع، الوشاة: جمع واش وهو من ينقل الحديث على سبيل الإفساد والوقيعة بين الناس.
(٢) العذال: جمع عاذل وهو اللائم.
(٣) الشيب: كبر السن.
(٤) أمارتي بالسوء: يقصد الشاعر نفسه، نذير الشيب: المراد الشعر الأبيض الذي ظهر في رأسه وجسمه، نذير الشيب، المراد كبر السن.
(٥) قرى الضيف: إكرامه: محتشم: مستح.
(٦) أوقره: احترمه، الكتم: بفتح الكاف والتاء نبات يؤخذ منه خضاب للشعر وقيل أن الكتم نبت يخضب به كالحناء.

<<  <   >  >>