للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فياخسارة نفس في تجارتها ... لم تشتر الدين بالدنيا ولم تسم «١»

ومن يبع اجلا منه بعاجله ... يبن له الغبن في بيع وفي سلم «٢»

فيوضح الإمام البوصيري أن مدحه لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم ليس إلا محاولة لطلب الشفاعة منه عن ذنوب ارتكبها في أيامه الماضية سواء في شعره أو في عمله الدنيوى لقد أوردنه الشعر والعمل مورد التهلكة، وساقاه إلى ما تخشى عواقبه كأنه هدى يساق ليذبح ويقول، وبالشعر والعمل السيء ما جنيت إلا الذنوب والندم، فيتوجع ويبكي بما قدم في أيامه السابقة إذ فضل الدنيا على الدين وكانت هذه هي الخسارة الكبرى.

ويصل البوصيري إلى الخلاصة الحكيمة التي انتهى إليها فكره ووجدانه وهي أن من يبيع اخرته بملذات دنياه فهو الخاسر في الدنيا والاخرة.

إذ يقول:

ان ات ذنبا فما عهدى بمنتقض ... من النبي ولا حبلى بمنصرم «٣»

فإن لى ذمة منه بتسميتى ... محمدا وهو أوفى الخلق بالذمم «٤»

ان لم يكن في معادى اخذا بيدى ... فضلا والا فقل يازلة القدم «٥»

حاشاه أن يحرم الراجى مكارمه ... أو يرجى الجار منه غير محترم «٦»

فيتوجه البوصيري مخاطبا الرسول صلّى الله عليه وسلّم معتذرا متوسلا به فيقول: إن كنت قد اذنبت فما ذلك من كفر أو نكث عهد أو جحود أو قطع لأسباب الوصال لأن


(١) سم البائع السلعة: عرضها للبيع، وسامها المشترى: طلبها للشراء.
(٢) الغبن: الخديعة في البيع والشراء، السلم: نوع من البيع يؤجل فيه تسليم المبيع أو هو البيع المؤجل الدفع.
(٣) بمنتقض: بمنكوث أي محلول، منصرم: منقطع.
(٤) ذمة: عهدا والذمم العهود.
(٥) في معادي: العودة إلى دار الجزاء يوم القيامة، الأخذ باليد: الخلاص من الشدة، فضلا: تبرعا، تطوعا. الزلة: العثرة والسقطة وزلة القدم هي الوقوع في الشدة وتعذر الخلاص منها.
(٦) حاشاه: إنزه (صلّى الله عليه وسلّم) ، يحرم: يمنع، الراجي: من الرجاء أي الأمل في الحصول على الشيء، المكارم: جمع مكرمة وهي الفضل والخير والمراد هنا الشفاعة، الجار: المستجير.

<<  <   >  >>