ما يغضب الله واقتصر في حياته على القراءة في كتب الدين الإسلامي فقها وتشريعا وسنة وجعل لكل حركة من حركاته بداية، هي اسم الله، وقد أصيب في أثناء ذلك بمرض عضال ألح عليه واحتار الطب في الداء فما كان من شوقي إلا أن اقتدى بصاحب البردة الإمام البوصيري حينما تشفع بالرسول صلّى الله عليه وسلّم أن يبرئه الله من مرضه فشفاه، تشفع شوقي بالرسول خاشعا ممتثلا طالبا الشفاء والصحة فشفاه الله. وكانت لهذه الحادثة أثرها على شوقي فعاش بقية حياته يعيش عيشة الخاشعين المقدسين لله التابعين باحسان لماثر الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام وقد برزت هذه الصفات الإسلامية من خلال مشاعره وأحاسيسه المرهفة في أشعاره الأخيرة التي غلب عليها طابع التدين والاقتراب من الإسلام والبعد عن كل ما نهى عنه الدين الحنيف، وبرزت أشعاره خالصة صادقة نابعة من وجدانه الذي تجدد بعمق إيمانه واتفقت عواطفه مع عواطف إخوانه المسلمين في أنحاء البلاد الإسلامية فكان معبرا عن عواطفهم الدينية محلقا في الافاق البعيدة باحثا ببصيرته في ملكوت الله سبحانه وتعالى فيصيبه الذهول من روعة وقدرة الخالق القادر على ما أبدع فتتصدع نفسه أكبارا ورهبة، وتنهمر دموعه خشوعا وتقديسا وتكريما لرب العالمين فيخر ساجدا وتنهمر أشعاره كما تنهمر دموعه راجيا عفو الله ومغفرته ما جناه في أيام شبابه وظل هكذا في خشوع وتبتل ودعاء لرب العالمين إلى ليلة الثالث عشر من أكتوبر عام ١٩٣٢، وفي تمام الساعة الثانية صباحا حين فارقت الروح الجسد، وتمزقت أوتار قيثارة الشرق وانهارت قمة من القمم الشعر والأدب العربي في العصر الحديث؛ مات شوقي وارتفع النواح والنشيج في العالم العربي والإسلامي، ورثاه كافة الشعراء حتى شاعر الهند العظيم (رابندنات طاغور) ، وشاعر باكستان العظيم (محمد إقبال) ، وأفل النجم الأدبي الذي خرج من حارات مصر بعد حياة حافلة بالصراع الوطني والديني وبعد اثرائه المكتبة العربية بديوان عظيم ومسر حيات شعرية عظيمة.