للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إن الصورة المركبة التي يحاول الشاعر أبرازها من خلال الأبيات نستدل منها على أن مشية هؤلاء النسوة بما فيهن من حسن المنظر وجمال الخطوة ومهابة ووقار يلعب بقلوب الرجال وتطأ أقدامهن هذه القلوب دون أن يحاولن انقاذها، وهؤلاء النسوة عندما تحمر خدودهن خجلا فأنها تبدو كما لو كانت قد أشعلت فيها النار، ولعلها تشعل النار في أكباد الرجال وقلوبهم عندما يكشفن عن جمال وجوههن، فلا سلامة ولا أمان لقلب الرجل أمام هذا الجمال الذي يحملن لواءه، ولا حدود لهذا الجمال، فهو جمال متنوع في أشكاله، متعدد في ألوانه، وهو في نفس الوقت جمال كامل، وحسن مطلق، ولا يحدد الحسن بلون البشرة ولا تهمه إن كانت هذه الحسناء بيضاء أو سمراء أو غير ذلك، وإنما ما يهمه فيها هو الحسن الذي يشبهه بالقمة المرتفعة التي يعتصم بها الإنسان وكأنه يريد أن يجعل الحسن في حد ذاته نوعا من أنواع العصمة أي أن الذي يرى هذا الحسن يخشاه ويهابه، وليس هناك أي إنسان قادر على مواجهة المرأة باهرة الجمال، رائعة الحسن، فهذه النوعية من النساء الشهيرات بالجمال لا يحس بجمالهن إلا من يقدر الجمال، ومع ذلك فانهن إذا ابنّ جمالهن فإنهن يصر عن حتى من تحصن بالعصمة منهن، ويصف الشاعر الكف المخضبة بالحناء فهي بجمال خضابها تأسر الرجل باشارة من كفها ولا يأسرن الرجل فقط، بل انهن يأسرن الأسد بهذه الاشارة.

واستسلم الشاعر لهذا الحسن وخضع له حتى انه وضع خده وفؤاده وقلبه بساطا لهذه الظباء يرتعن في ذلك كيفما شئن ويلعبن في وديان قلبه ومرتفعاته وهو يؤكد خضوعه وضعفه أمام هذا الحسن البارع وهذا الجمال الرائع.

ويقول شوقي:

يا بنت ذى اللبد المحمى جانبه ... القاك في الغاب أم القاك في الأطم «١»

ما كنت أعلم حتى عن مسكنه ... ان المنى والمنايا مضرب الخيم «٢»


(١) اللبد: جمع لبده وهي الشعر المتراكب بين كتفي الاسد، والغاب: جمع غابه وهي الشجر المتكاثف، الأطم: القصر.
(٢) المنايا: المنية وهي الموت.

<<  <   >  >>