للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ} (١).

فاخبر سبحانه وتعالى أن لا يوجد مؤمن يود كافرا، فمن واد الكفار فليس بمؤمن، فالمشابهة الظاهرة مظنة المودة فتكون محرمة اهـ.

وهذا كله يؤيد أن مخالفة الكفار ليست أمرا تعبديا محضا، بل هو معقول المعنى واضح الحكمة التي وضحها شيخ الإسلام رحمه الله- وقال شيخ الإسلام في موضع آخر: وهذه الأمور الباطنة والظاهرة بينهما ولا بد ارتباط ومناسبة، فإن ما يقوم بالقلب من الشعور والحال يوجب أمورا ظاهرة، وما يقوم بالظاهر من سائر الأعمال يوجب للقلب شعورا وأحوالا، وقد بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم بالحكمة التي هي سنته وهي الشرع والمنهاج الذي شرعه له، فكان من هذه الحكمة أن شرع له من الأعمال والأقوال ما يباين سبيل المغضوب عليهم والضالين، وأمر بمخالفتهم في الهدى الظاهر، وإن لم يظهر لكثير من الخلق في ذلك مفسدة لأمور:

-منها أن المشاركة في الهدى الظاهر تورث تناسبا وتشاكلا بين المتشابهن يقود إلى الموافقة في الأخلاق والأعمال، وهذا أمر محسوس، فإن اللابس ثياب أهل العلم مثلا يجد من نفسه نوع انضمام إليهم، واللابس لثياب الجند المقاتلة مثلا- يجد من نفسه نوع تخلق باخلاقهم، ويصير طبعه مقتضيا لذلك إلا أن يمنعه من ذلك مانع.

- ومنها أن المخالفة في الهدى الظاهر توجب مباينة ومفارقة توجب الانقطاع عن موجبات الغضب وأسباب الضلال، والانعطاف إلى أهل الهدى والرضوان، وتحقق ما قطع الله من الموالاة بين جنده المفلحين وأعدائه الخاسرين، وكلما كان القلب أتم حياة وأعرف بالاسلام الذي هو الإسلام- لست أعني مجرد التوسم به ظاهرا أو باطنا بمجرد الاعتقادات التقليدية من حيث الجملة- كان إحساسه بمفارقة اليهود والنصارى باطنا أو ظاهرا أتم، وبعده عن أخلاقهم الموجودة في بعض المسلمين أشد.


(١) المجادلة: ٢٢.

<<  <   >  >>