للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لبعض الأفاضل مندوحة عن ارتكاب المحرم باتفاق، فأجريته على القاعدة الأصولية وهي أن صيغة "أفعل" في قول الأكثرين للوجوب، وقيل: للندب، وقيل: للقدر المشترك بين الندب والوجوب، وقيل: بالتفصيل، فإن كانت من الله تعالى في القرآن فهي للوجوب، وإن كانت من النبي صلى الله عليه وسلم -كما في الحديث هنا على الروايتين وهما رواية: وفروا، ورواية: إعفوا- فهي للندب، وقد أشار إلى هذه الأقوال في صيغة افعل صاحب مراقي السعود في علم الأصول بقوله:

وافعل لدى الأكثر للوجوب ... وقيل للندب أو المطلوب

وقيل للوجوب أمر الرب ... وأمر من أرسله للندب

وهذا القول الأخير هو الذي ينبغي حمل العامة عليه لما عمت البلوى بهذه البدعة الشنيعة وهي في حق العلماء أقبح وأقبح.

وغيرهم أولى بالعذر، نسأل الله تعالى التوفيق لاتباع السنة والمحجة البيضاء (١) اهـ.

وإن تعجب فعجب قول بعضهم (٢): صحيح أنه لم يقل عن أحد من السلف حلق اللحية، ولعل ذلك لأنه لم تكن بهم حاجة لحلقها وهي عادتهم اهـ.

وهذا تعليل ساقط يكفي سقوطه عن رده، وكان الأولي به أن يستدل بعدم حلق أحدهم اللحية على عدم جوازه عندهم، قال الإمام ابن حزم رحمه الله في مراتب الإجماع: واتفقوا أن حلق جميع اللحية مثلة لا تجوز اهـ.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: يحرم حلق اللحية للأحاديث الصحيحة، ولم يبحه أحد اهـ.

بل كان السلف يعظمون اللحية، ويعلون من شأنها كما في قصة قيس بن سعد رضي الله عنهما فقد كان أثطا (أي أمرد لا لحية له) فقالت الأنصار:


(١) فتح المنعم (١/ ١٧٨ - ١٧٩).
(٢) الحلال والحرام في الإسلام للقرضاوي.

<<  <   >  >>