للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

حركات الجوارح كلها وانبعثت إلى كل المعاصي والمشتبهات بحسب اتباع هوى القلب، ولهذا يقال: القلب ملك الأعضاء، وبقية الأعضاء جنوده، وهم مع هذا جنود طائعون له منبعثون في طاعته وتنفيذ أوامره. لا يخالفونه في شيء من ذلك.

والحاصل أنه يمكن الاستدلال على صلاح القلب أو فساده بمدى ما تظهره جنوده من الانقياد لشرائع الإسلام، فلا يتصور قلب صالح عامر بالعلم والإيمان ينضح منه معاندة الشرع، إذ أن الظاهر عنوان الباطن ودليل صلاحه أو فساده.

فاللحية مثلا من الجسد الذي هو مرآة القلب فمن استأصلها محتجا بصلاح قلبه كذبه ظاهره، ومن امتثل أوامر الشرع بإعفائها كانت قرينة ظاهرة في الدنيا على امتثاله لشرع الله في الظاهر وحسابه على الله في الآخرة.

والله نسال أن يجعل سرائرنا أصلح من ظواهرنا وهو وحده ولي التوفيق.

وأما قوله صلى الله عليه وسلم: " إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ لَا يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ، وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ ". فهو حجة عليهم لا لهم؛ لأنه صلى الله عليه وسلم لم يقل "ولكن ينظر إلى قلوبكم" حتى عطف عليها "وأعمالكم" يعني التي تنبثق من تلك القلوب، والتي لا بد أن تكون صالحة موافقة لمرضاة الله عز وجل مرجوا بها وجهه سبحانه.

وقد قال تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (٢) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (٣) أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} (١).

ولا شك أن هذا الأسلوب في فهم النصوص هو وحده الكفيل بأن يسد الباب في وجه الزنادقة والملاحدة الذين يتحصنون وراء دعوى حسن النية ويرتكبون المخالفات الشرعية {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ (١١) أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ} (٢) ويضربون


(١) الأ نفال: ٢ - ٤.
(٢) البقرة: ١١ - ١٢.

<<  <   >  >>