للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

افتراض ذلك لا يضر إذ صيغة الأمر الواردة في كل فعل على حدة حقيقة في وجوب امتثاله كما مر آنفا، والله أعلم.

ومن الأدلة الواردة في ذلك أيضا ما رواه أبو هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «جُزُّوا الشَّوَارِبَ، وَأَرْخُوا اللِّحَى خَالِفُوا الْمَجُوسَ» (١).

قال شيخ الإسلام رحمه الله (٢): (فعقب الأمر بالوصف المشتق المناسب، وذلك دليل على أن مخالفة المجوس أمر مقصود للشارع، وهو العلة في هذا الحكم أو علة أخرى أو بعض علة، وإن كان الأظهر عند الإطلاق أنه علة تامة) وفي حديث أبي إمامة رضي الله عنه قول بعض مشيخة الأنصار رضي الله عنهم: ( .. يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ يَقُصُّونَ عَثَانِينَهُمْ وَيُوَفِّرُونَ سِبَالَهُمْ. قَالَ: فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «قُصُّوا سِبَالَكُمْ وَوَفِّرُوا عَثَانِينَكُمْ وَخَالِفُوا أَهْلَ الْكِتَابِ» (٣).

وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن أهل الشرك يعفون شواربهم ويحفون لحاهم فخالفوهم فاعفوا اللحى وأحفوا الشوارب" (٤) والحاصل أن حلق اللحية مرتبط بهذا الأصل العظيم الذي ذهل عنه المسلمون وأضاعوه، فقد حذر الإسلام من موافقة هؤلاء الكفار في زيهم وأعمالهم وهديهم، ونحن نرى المسلمين اليوم يلهثون وراء أعدائهم، فقد أولعوا بمحاكاتهم وأشربوا في قلوبهم الافتتان بسبيلهم.

وقد كان المسلمون إلى عهد قريب يوفرون لحاهم، ويرون حلقها عيبا ومنقصة، فأصبحوا يعدون الحلق زينة وكمالا، وقال الشيخ على محفوظ رحمه


(١) أخرجه مسلم وأبو عوانة والبيهقي والإمام أحمد.
(٢) اقتضاء الصراط المستقيم.
(٣) قطعة من حديث أخرجه الإمام أحمد، وقد حسنه الحافظ في الفتح وقال (وأخرج الطبراني نحوه من حديث أنس).
(٤) رواه البزار بسند حسن.

<<  <   >  >>