للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عليه وسلم حافيا وكذلك الصحابة رضوان الله عليهم، بخلاف الأمر بإعفاء اللحية حيث لم يأت صارف يصرفه عن الوجوب إلى الندب، والمعروف أن شرط الحكم في القياس أن يكون حكم الفرع مساويا لحكم الأصل، فلا يصح قياس واجب على مندوب والعكس لعدم مساواتهما في الحكم (١).

الرابع: وقد أشار اليه شيخ الإسلام في "الاقتضاء" (٢) معلقا على حديث «غَيِّرُوا الشَّيْبَ، وَلَا تَشَبَّهُوا بِالْيَهُودِ وَلَا بِالنَّصَارَى" (٣)، حيث قال رحمه الله:

(وهذا اللفظ أدل على الأمر بمخالفتهم والنهى عن مشابهتهم فإنه إذا نهى عن التشبه بهم في بقاء بياض الشيب الذي ليس من فعلنا فلأن ينهى عن إحداث التشبه بهم أولى، ولهذا كان هدا التشبه بهم يكون حراما بخلاف الأول) اهـ.

وبعبارة أخرى: الأمر بالخضاب أمر بتغيير الشيب الذي نتفق مع الكفار فيه اذ نبقيه بدون صبغ، وفي هذه الحال يوافق المسلم الكافر في شيء ليس من فعله بل هو مقتضى السنن الكونية التي تسري على المسلم والكافر ومع هذا استحب له الخضاب، أما إذا وافق المسلم الكفار في حلق اللحية فقد شابههم في شيء تسبب هو في فعله وأحدثه من نفسه فإدى إلى موافقتهم فيما يصادم الفطرة والشرع معا، والعلم عند الله تعالى.

وقد نبه الإمام ابن العربي إلى نحو هذا المعنى حيث قال -فيما نقله عنه القاري في المرقاة (٤) - ما نصه: (وإنما نهى عن النتف -أي نتف الشيب- دون الخضب لأن فيه تغيير الخلقة من أصلها، بخلاف الخضب فإنه لا يغير الخلقة على الناظر اليه والله الموفق) اهـ.


(١) أما خضاب الشيب فقد ذهب بعض الفقهاء إلى أنه واجب منهم الإمام أحمد في رواية عنه، أنظر فتح الباري (١٠/ ٣٥٥).
(٢) اقتضاء الصراط المستقيم ص٥٨.
(٣) أخرجه الإمام أحمد وابن حبان في صحيحه والترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه.
(٤) مرقاة المفاتيح (٢/ ٤٦٩).

<<  <   >  >>