للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

رسول الله صلى الله عليه وسلم (١)، فإذا علمت بذلك أن هارون كان موفرا شعر لحيته بدليل قوله لأخيه "لا تاخذ بلحيتي" لأنه لو كان حالقا لما أراد أخوه الأخذ بلحيته تبين لك من ذلك بإيضاح أن إعفاء اللحية سمت من السمت الذي أمرنا به القرآن العظيم، وأنه كان سمت الرسل الكرام صلوات الله وسلامه عليهم، والعجب من الذين مسخت ضمائرهم، واضمحل ذوقهم، حتى صاروا يفرون من صفات الذكورية، وشرف الرجولة، إلى خنوثة الأنوثة، ويمثلون بوجوههم بحلق أذقانهم، ويتشبهون بالنساء حيث يحاولون القضاء على أعظم الفوارق الحسية بين الذكر والأنثى وهو اللحية، وقد كان صلى الله عليه وسلم كث اللحية، وهو أجمل الخلق وأحسنهم صورة، والرجال الذين أخذوا كنوز كسرى وقيصر، ودانت لهم مشارق الأرض ومغاربها: ليس فيهم حالق، نرجو الله أن يرينا، وإخواننا المؤمنين الحق حقا، ويرزقنا اتباعه، والباطل باطلا، ويرزقنا اجتنابه (٢) اهـ.


(١) ونص رواية البخاري: عن العوام قال: سألت مجاهدا عن سجدة "ص" فقال سألت ابن عباس من أين سجدت؟ فقال: أو ما تقرأ: "ومن ذريته داود وسليمان وأيوب ويوسف وموسى وهارون أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده"، فكان داود ممن أمر نبيكم صل الله عليه وسلم أن يقتدي به، فسجدها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(٢) أضواء البيان (٤/ ٥٠٦ - ٥٠٧)، وما ذكره الشيخ رحمه الله لا يلزم منه حكم الوجوب، إلا إن ثبت أن هارون عليه السلام فعله على سبيل الوجوب فإنه يمكن أن يقول قائل: من الجائز أنه فعله على سبيل الندب، فيحصل امتثال الأمر باتباعه على وفق ما فعل، وقد قال تعالى في حق نبيه محمد صلى الله عليه وسلم (واتبعوه لعلكم تهتدون) وقد تقرر في الأصول أن أفعاله بمجردها لا تدل على الوجوب، والغرض أن الاستدلال بالآيتين المذكورتين متوقف على أنه كان في حق هارون عليه السلام واجبا، فإن ثبت ذلك استقام الاستدلال به وإلا فالنظر باق، وهذه المناقشة في نفس الاستدلال لا في صحة الدعوى، وبالجملة فهذا الاستدلال لا يدل على ثبوت الوجوب ولا على عدمه فيطلب الدليل من غيره- وأنظر فتح الباري (١٠/ ٣٤٢)

<<  <   >  >>