للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تقارب البلاد وإنما أن يكون اللقاء محتملاً وغي مستبعد، ولاحظ دلالة قوله: "فأما والأمر مبهم على الإمكان الذي فسرنا" فإنه فسر الإمكان لكونهما في عصر واحد.

فالراجح أن معنى إمكانية اللقاء عند مسلم ليست تقارب البلاد، وإنما اتفاق العصر. فاللقاء يكون ممكنًا أو متباعدة مادام اللقاء محتملاً وغير مستبعد مع مراعاة الضوابط الأخرى، وهذا الذي يدل عليه قول مسلم: (أن كل رجل ثقة روى عن مثله حديثًا، وجائز ممكن له لقاؤه، والسماع منه، لكونهما جميعًا كانا في عصر واحد، وإن لم يأت في خبر قط أنهما اجتمعا، ولا تشافها بكلام، فالرواية ثابتة، والحجة بها لازمة إلا أن يكون هناك دلالة بينة أن هذا الراوي لم يلق من روى عنه، أو لم يسمع منه شيئًا. فأما والأمر مبهم على الإمكان الذي فسرنا، فالرواية على السماع أبدًا حتى تكون الدلالة التي بينا) (١) .

وما رجحته هو ظاهر كلام ابن حجر، والمعلمي.

فقد قال ابن حجر: (واكتفى مسلم بمطلق المعاصرة) (٢) .

وقال المعلمي مبينًا أن تباعد البلاد غير ضار في قبول معنعن المتعاصرين: (ثم لاحظ أنه لم يكن يوجد منهم - أي التابعين - إلا نادرًا من لم يزد الحرمين، وفيهما يمكن اجتماع الراوي بالمروي عنه إذا كانا متعاصرين، وبهذا يندفع ما يوهمه تباعد البلدين مع عدم اللقاء.

فإذا كان الحال ما ذكر، وثبت أن أحد المتعاصرين روى عن الآخر بلا تصريح بسماع، ولا عدمه كان المتبادر السماع. فكيف إذا لاحظت أن كثيرًا من السلف كان يزور الحرمين كل عام فكيف إذا كان أحدهما ساكن أحد الحرمين فكيف إذا ثبت أن الآخر زارهما، وكذا إذا كان أحد الشخصين ببلد قد زاره الآخر.

فأما إذا كانا ساكنين بلدًا واحدًا فإنه يكاد يقطع باللقاء) (٣) .

يشهد لذلك قول أيوب: (كانوا يحجون للقي) (٤) .


(١) مقدمة صحيح مسلم (١/٢٩-٣٠) .
(٢) نزهة النظر (ص٣١) .
(٣) عمارة القبور للمعلمي (ل٨٣) .
(٤) العلل لأحمد (٢/٣٢٤) تحقيق د. وصي الله عباس.

<<  <   >  >>