للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد بين المعلمي - رحمه الله - أن احتمال اللقاء يكون على ثلاث درجات من حيث القوة في قوله:

(المعاصرة المعتد بها على قول مسلم ضبطها بقوله: "كل رجل ثقة روى عن مثله حديثًا وجائز ممكن له لقاؤه والسماع منه لكونهما كانا في عصر واحد ... " وجمعه بين "جائز وممكن" يشعر بأن المراد الإمكان الظاهر الذي يقرب في العادة والأمثلة التي ذكرها مسلم واضحة في ذلك.

والمعنى يؤكد هذا فإنه قد ثبت ن الصيغة - يعني "عن" - بحسب العرف - ولاسيما عرف المحدثين، وما جرى عليه عملهم - ظاهرة في السماع (١) فهذا الظهور يحتاج إلى دافع.

فمتى لم يعلم اللقاء فإن كان مع ذلك مستبعدًا، الظاهر عدمه، فلا وجه للحمل على السماع لأن ظهور عدم اللقاء يدافع ظهور الصيغة، وقد يكون الراوي عند ظهور عدم اللقاء قرينة على أنه لم يرد صيغة السماع.

وإن احتمل اللقاء احتمالاً لا يترجح أحد طرفيه فظهور الصيغة لا معارض له.

فأما إذا كان وقوع اللقاء ظاهرًا بينًا فلا محيص عن الحكم بالاتصال، وذلك كمدني روىعن عمر، ولم يعلم لقاؤه له نصًا لكنه ثبت أنه ولد قبل وفاة عمر بخمس عشرة سنة مثلاً فإن الغالب الواضح أن يكون قد شهد خطبة عمر في المسجد مرارًا.

فأما إذا كان الأمر أقوى من هذا كرواية قيس بن سعد المكي عن عمرو بن دينار فإنه يحكم باللقاء حتمًا، والحكم به في ذلك أثبت بكثير من الحكم به لشامي


(١) هذا فيه نظر لأن الصيغة "عن" استخدمت في الأسانيد غير المتصلة بكثرة، وهي تحتمل السماع بقرائن، وتدل عليه بشروط، أما مجردة من القرائن والشروط، فهي غير ظاهرة في السماع لاحتمالها الاتصال وعدمه ولا مرجح لأحدهما. قال السخاوي في فتح المغيث (١/١٦٧) : ("عن" لا إشعار لها بشيء من أنواع التحمل، ويصح وقوعها فيما هو منقطع، كما إذا قال الواحد منا مثلاً عن رسول الله أو عن أنس أو نحوه) .

<<  <   >  >>