اللقاء ليس غاية في ذاته وإنما هو احتياط خشية أن يكون هناك انقطاع، ومن الخطأ أن تعامل كل الأسانيد التي لم يثبت فيها اللقاء معاملة واحدة.
هذا هو الراجح - في نظري -: أن العلم باللقاء ولو مرة شرط لاتصال السند المعنعن كما هو مذهب ابن المديني والبخاري وغيرهما من الأئمة، ولكن ذلك لا يمنع من الاحتجاج بالحديث إذا توفرت فيه إحدى القرائن المقوية لاحتمال السماع مع المعاصرة والسلامة من التدليس وعدم وجود ما يدل على الانقطاع.
أما الحكم بالاتصال على السند المعنعن لمطلق المعاصرة، كما هو مذهب الإمام مسلم، فلا أميل إليه لأن احتمال السماع، واحتمال عدم السماع متساويان في هذه الحالة ولا يكفي - في نظري - ترجيح احتمال السماع بمجرد المعاصرة وأن اللقاء ممكن.
وبما رجحته أكون قد اخترت راي الإمام البخاري - رحمه الله -، وبعض رأي الإمام مسلم - رحمه الله - وذلك باختياري لأقوى مراتب إمكان اللقاء عنده.
ولاشك أن رأي الإمام مسلم - رحمه الله - له وجاهته ولا يخلو من قوة، ولكن الأمر كما قلت في أول هذا المبحث إن الترجيح ليس بين رأيين أحدهما قوي والآخر ساقط وإنما بين رأي قوي وآخر قوى، ورحم الله الإمام الشافعي الذي قال:(رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب) ، وحري بنا أن نتأدب بأدب هذا الإمام الفذ.
هذا والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.