ومنها أنه لو كان الدفع من عرفة جائزاً قبل غروب الشمس لرخص صلى الله عليه وسلم للضعفة أن يتقدموا من عرفة إلى مزدلفة قبل غروب الشمس خوفاً من الزحام الذي لا نظير له في سائر المشاعر كما رخص للضعفة أن يتقدموا بعد غيبوبة القمر من مزدلفة إلى منى فلما لم يرخص لهم في ذلك علم أنه غير جائز، وحيث إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يدفع من عرفة إلا بعد غروب الشمس واستحكام غروبها وذهاب الصفرة قليلاً علم من فعله وتشريعه أن هذا هو وقت جواز الدفع من عرفة لمن وقف نهاراً، وقد قال عليه الصلاة والسلام:(خذوا عني مناسككم) فأخذ المسلمون ذلك عنه وتلقوه بالقبول والتسليم وصاروا يدفعون من عرفة كما دفع منها صلى الله عليه وسلم بعد غروب الشمس وهو المشرع صلى الله عليه وسلم؛ فالذي أفتى عروة بن مضرس بالحديث المتقدم هو الذي وقف بالمسلمين بعرفات إلى غروب الشمس ولم يدفع منها إلا بعد الغروب وأمر الجمع العظيم أن يأخذوا ذلك عنه بأن لا يدفعوا من عرفة إلا بعد غروب الشمس، ولا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة فصلوات الله وسلامه عليه، فإن قيل مقتضى قوله صلى الله عليه وسلم (فقد تم حجه) أنه لا نقص فيه ولو انصرف قبل الغروب لأنه وقف بعرفة نهاراً فشمله حديث عروة وأنتم توجبون عليه دم جبران، قلنا معنى قوله صلى الله عليه وسلم فقد تم حجه: أي أدرك الوقوف بعرفة ولم يفته الحج بدليل أنه لو انصرف بعد الوقوف إلى أهله ولم يأت بطواف الإفاضة لم يتم حجه ولم تجزئه هذه الحجة عن حجة الإسلام إن كانت باقية عليه فعلم أن معنى تم حجه: أي أدرك الوقوف ولم يفته الحج ونحن نقول بذلك وبأن حجه صحيح وعليه الأئمة الثلاثة رحمهم الله تعالى، ولا ينافي هذا وجوب الدم عليه لقول ابن عباس رضي الله عنهما: من ترك نسكا أو نسيه فإن يهريق دما، وهذا قد ترك نسكا فعله