على من يسلم عليه لا يستلزم الحياة التي يظنها بعض الغالطين وإن كان نوع حياة برزخية، وقول من زعم إنها نظير الحياة المعهودة مخالف للمنقول والمعقول ويلزم منه مفارقة الروح للرفيق الأعلى وحصولها تحت التراب قرناً بعد قرن والبدن حي مدرك سميع بصير تحت أطباق التراب والحجارة ولوازم هذا باطلة مما لا يخفى على العقلاء، وعند أهل السنة من الفقهاء والمحدثين وغيرهم أن الروح ذات قائمة بنفسها لها صفات تقوم بها وأنها تفارق البدن وتصعد وتنزل وتُقبض، وتُنعم وتعذب، وتدخل وتخرج، وتذهب وتجيء، وتُسأل وتحاسب، ويقبضها الملك ويعرج بها إلى السماء ويشيعها ملائكة السموات إن كانت طيبة وإن كانت خبيثة طرحت طرحاً، وأنها تحس وتدرك وتأكل وتشرب في البرزخ من الجنة كما دلت عليه السنة الصحيحة في أرواح الشهداء خصوصاً والمؤمنين عموماً، ومع هذا فلها شأن آخر غير شأن البدن فإنها تكون في الملأ الأعلى فوق السموات، وقد تعلقت بالبدن تعلقاً يقتضي رد السلام على من سلم عليه عند قبره وهي في مستقرها في عليين مع الرفيق الأعلى، وقد مر النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء على موسى قائماً يصلي في قبره، ثم رآه في السماء السادسة ولا ريب أن موسى لم يرفع من قبره.
تلك الليلة لا هو ولا غيره من الأنبياء الذين رآهم في السموات؛ بل لم تزل تلك منازلهم من السموات، وإنما رآهم النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء في منازلهم التي كانوا فيها من حين رفعهم الله سبحانه إليها، ولم تكن صلاة موسى في قبره بموجبة مفارقة روحة للسماء السادسة وحلولها في القبر، بل هي في مستقرها ولها تعلق بالبدن قوى حتى حمله على الصلاة، وقد ثبت في الصحيح أن أرواح الشهداء في حواصل طير خضر تأكل من ثمار الجنة، وتشرب من أنهارها