تعدد المعنى الوظيفي للمبنى الواحد:
عند هذا الحد أودّ أن أشير إلى فكرة هامة يتوقف عليها فهم طبيعة عناصر التركيب العربي, وهي المباني التي يتكوّن منها ويتوقف عليها فهم الإطار العام للصرف والنحو العربيين، لقد مرَّ بنا طوال هذا الفصل أن الصرف يتكوّن من نظام من المعاني التي تعبِّر عنها المباني, وأن هذه المباني تتحقّق بدورها بواسطة العلامات, فمن المعاني والمباني تكون اللغة, ومن العلامات يكون الكلام, ونضيف هنا ما سبق أن أشرنا إليه إشارة عابرة من أن النحو لا يستعمل من المباني المعبرة عن معانيه إلّا ما يقدمه له الصرف من مباني التقسيم, وتحتها الصيغ, ومن مباني التصريف وتحتها اللاواصق, ومن مباني القرائن وتحتها العلامات الإعرابية والرتبة, وزوائد العلاقة كالهمز والتضعيف للتعدية, وكأدوات العلاقات وكالتضام وأدوات الربط, وهلم جرّا مما يعبر عن معانٍ نحوية صرف.
والفكرة الهامة التي أردت أن أسجلها تحت هذا العنوان أن المعاني الوظيفية التي تعبر عنها المباني الصرفية هي بطبيعتها تتَّسم بالتعدد والاحتمال, فالمبنى الصرفي الواحد صالح لأن يعبر عن أكثر من معنى واحد ما دام غير متحقق بعلامة ما في سياق ما, فإذا تحقق المعنى بعلامة أصبح نصًّا في معنى واحد بعينه تحدده القرائن اللفظية والمعنوية والحالية على السواء. ويصدق هذا الكلام على كل أنواع المباني التي سبق ذكرها سواء في ذلك مباني التقسيم, ومنها الصيغ ومباني التصريف, ومنها اللواصق ومباني القرائن, والمقصود بها ما ذكرناه منذ قليل مما يسمَّى القرائن اللفظية, وكذلك مباني بعض التراكيب, وإليك البيان:
لقد مَرَّ بنا في شرح أقسام الكلم أن مباني الأقسام قد تتعدَّد معانيها كالمصدر من الأسماء ينوب عن الفعل نحو: ضربًا زيدًا, ويؤكد الفعل كضربته ضربًا, ويبين سببه كضربته تأديبًا له, وينوب عن اسم المفعول نحو {بِدَمٍ كَذِب} واسم الفاعل مثل: {أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا} , ويكون بمعنى الظرف نحو آتيك طلوع الشمس, وهلم جرا, وكاسمي الزمان والمكان يتعدد معناهما الوظيفي