ذكرنا من قبل أن الأنظمة من اللغة لا من الكلام, وأن اللغة -ومنها الأنظمة- ساكنة صامتة تنشد لنفسها الاطِّراد وتسعى إلى الإطلاق, شأنها شأن كل نظام آخر. وذكرنا كذلك أن الكلام تطبيق على نظام اللغة, وأنه ديناميكي متحرك, شأنه في ذلك أيضًا شأن كل تطبيق على أي نظام, وإذا عدنا إلى المثل الذي اخترناه من قبل -وهو نظام المرور- وجدنا أن النظام يقتضي في جميع الحالات أن يكون السير على جانب معين من الطريق, وهذه قاعدة في النظام مطَّردة ومطلقة، ولكن عملية المرور التي تتم طبقًا لهذا النظام, والتي هي في الواقع تطبيق أمين له يحدث لها أن تصادف بعض المشكلات أحيانًا؛ كأن يكون الجانب المختار للمرور مشغولًا بإصلاح الطريق أو ببقايا حادث وقع, فيتحتَّم في هذه الحالة أن يتحوّل المرور إلى الجانب الآخر من الطريق على عكس ما يطلبه النظام, ولكن هذا يعتبر حلًّا من حلول مشكلات التطبيق. فإذا عبر عنه بمجموعة من القواعد تفصل ما يتبع من الإجراءات عند انشغال الجانب المختار للمرور من الطريق, اعتبر ذلك نظامًا فرعيًّا يؤيد النظام الأصلي ولا يطعن فيه, وفي نظم اللغة ما يشبه نظام المرور تمامًا, كما أن في الكلام ما يشبه حركة المرور التي يحكمها هذا النظام. فالنظام الصوتي للغة يقرر مثلًا أن الدال مجهورة وأن التاء مهموسة, ويصر النظام على اطراد هذ القاعدة وإطلاقها, ولكن الكلام وهو التطبيق العملي لنظام اللغة قد يشتمل على دال ساكنة متبوعة بتاء متحركة وهنا نجد أن تجاور الحرفين على هذا النحو يتسبب في صعوبة عضوية تتحدّى محاولة المحافظة على ما قرره النظام, كما يتسبب التقاء المتقاربين دائمًا في احتمال اللبس لو حاولنا في نطقهما عبثًا أن نرضي مطالب النظام؛ لأن جهر الدال الساكنة المتبوعة بتاء متحركة أمر ثقيل التحقيق في النطق, وهنا تظهر مشكلة من مشاكل التطبيق يحلها السياق بظاهرة الإدغام, فتكون الدال والتاء في النطق كالتاء المشددة تمامًا "قعدت -قعت", و"الإدغام" الذي ذكرناه