طويلة ليس هنا محل إيرادها. وأما وجهة النظر الكوفية فقد نظرت إلى المشكلة من ناحية التجرد والزيادة, فالمجرد من بين الصيغ هو في فهم أصحاب هذه النظرة أقرب إلى الأصالة من المزيد, وقد نظروا في صيغ الكلام فلم يجدوا أكثر تجردًا من الفعل الماضي الثلاثي المجرد المسند إلى المفرد الغائب نحو "ضرب", فقالوا: إن أصل المشتقات هو الفعل الماضي, وأورد هؤلاء أيضًا في تدعيم نظرتهم مناقشات إضافية لا محل هنا لروايتها كذلك.
تلك كانت وجهة النظر الصرفية إلى المسألة, وهي وجهة نظر تجعل بعض الصيغ أصلًا, وتجعل الصيغ الأخرى فروعًا عليه, وتفترض أن كل مادة من مواد اللغة بدأت في صورة المصدر أو في صورة الفعل الماضي, ثم عكف الناس عليها يشتقون منها ويفرعون عليها, حتى تصل اللغة إلى مرحلة تستنفد فيها حاجتها إلى المزيد من مشتقات هذه المادة, أو تتوقف عن الاشتقاق لأنها فرغت من الصياغة على مثال كل المباني الصرفية الممكنة. وليس شيء أبعد من طبيعة نشأة اللغة وتطورها من هذا الافتراض، والمعروف أن بعض المواد يتَّسع لعدد من الصيغ الاشتقاقية أكثر ما يتَّسع البعض الآخر, أو بعبارة أخرى قد توجد صيغة مستعملة في مادَّة ومهجورة في مادة أخرى, فصيغة "فعل" توجد من مادة "وق ع" ولا توجد من مادة "ود ع", وقد تتحقق المطاوعة من "كسر" بصيغة "انفعل", ولا تتحقق بهذه الصيغة من "ركب"؛ لأن هذه الصيغة وتلك مهجوران في المادتين "ودع" و"رك ب" على الترتيب.
والواقع أن الصعوبات تقوم فعلًا دون الاقتنتاع برأي البصريين أو برأي الكوفيين على حد سواء. فأم للرد على البصريين فأنا أسألهم عن "كان" الناقصة, "وهي عندهم "فعل" ألها مصدرًا أم لا مصدر لها. إن مذهبهم يقول: إنَّ كان الناقصة لا مصدر لها, ومع ذلك يعتبرونها مشتَّقة, فما أصل اشتقاقها؟ وأما للرد على الكوفيين فإنَّ "يدع" و"يذر" في رأيهم لا ماضي لهما وهما مشتقان على رغم ذلك, فما أصل اشتقاقهما إذًا؟
أما المعجميون فليست لعبتهم الصيغ؛ لأن هذه الصيغ قد تتحقق بكلمات, وقد تظل احتمالًا نظريًّا صالحًا للتحقق بصياغة الكلمة المناسبة على مثالها عند