وصيغ صامتة. ومرجع هذا الوضوح السمعي إلى عنصرين يرتبط أحدهما بظاهرة علوِّ الصوت وانخفاضه, وهي ترتبط بدورها بحركة الحجاب الحاجز في ضغطه على الرئتين ليفرغ ما فيهما من هواء, فتؤدي زيادة كمية الهواء إلى اتساع مدى ذبذبة الأوتار الصوتية فيكون من ذلك علوّ الصوت. ويرتبط العنصر الآخر بتوتر التَّمَاس بين أعضاء النطق في مخرج الصوت, أو بعبارة أخرى: يأتي النبر من التوتر والعلوّ في الصوت اللذين يتَّصف بهما موقع معين من مواقع الكلام.
وقد رأينا من قبل أثناء الكلام في النظام الصرفي للغة أن طبيعة الصياغة العربية للكلمات قد مكَّنت الصرفيين العرب من أن يعبروا تعبيرًا ذكيًّا عن قواعد هذه الصياغة, فأوجدوا للكلمات العربية صيغًا صرفية وموازين صرفية, فتتفق صيغة الكلمة وميزانها أحيانًا كما في "ضَرْب", وتختلف الصيغة عن الميزان أحيانًا أخرى كما في "استقامة", ولكنهما يقفان من اللفظ دائمًا موقف الشبح من الجسم, أو القالب من العجينة التي تصب فيه, ولهذا السبب بالذات أصبح من الممكن في دراسة اللغة العربية -دون غيرها من اللغات على ما يبدو- أن نتكلم عن نبر الصيغ الصرفية, ونكتفي به عن دراسة نبر الكلمات أي الأمثلة. ومن هنا يكون النبر على مستوى الصيغة والكلمة ذا وظيفة صرفية هي تقديم القيم الخلافية التي تفرق مع الكمية بين معنًى صرفي ومعنًى صرفي آخر, ويمكن بواسطتهما مثلًا أن نفرق بين طوائف من الصيغ مثل فَعِلَ - فَعَّل - فاعل - فعيل؛ حيث يفرق بين الكلمات الأربع بالكمية, وبين الثلاث الأولى وبين الرابعة بالنبر, فيقع النبر في الكلمات الثلاث الأولى على المقطع الأول, وفي الرابعة على الثاني.
ومع ذلك يحسن في دراسة النبر الأبنية على نظام الصيغ, وأن نعدل عن ذلك إلى بنائه على ترتيب المقاطع في الصيغ؛ لأن عدد المقاطع -وهي ستة كما رأينا- أقل بكثير جدًّا من عدد الصيغ الصرفية, فيؤدي استعمال المقاطع في تحديد قواعد النبر إلى أن يكون عدد القواعد قليلًا, وأن يكون الكلام فيها مختصرًا, وقلة القواعد وسهولة ضبطها مرغوب فيهما على أي حال.