وأما العبارة الثانية فتلخص الصلة بين ظاهرة التضام Collocation في اللغة العربية وبين المعنى اللغوي الدلالي الاجتماعي, وهي ظاهرة سنقوم بدراستها كذلك عند النظر في المعنى الدلالي في هذا الكتاب. وسيتضح من هذه الدراسة أن أقسام المقامقت الاجتماعية ترتبط بتعبيراتٍ يتمّ فيها التضام بين الكلمات مختلفًا باختلاف المقام, فهاتان العباراتان مما خلَّفه البلاغيون في تراثهم الثمين تعتبران من نتائج المغامرات الفكرية في دراسة اللغة في الغرب المعاصر.
وفي فرع آخر من فروع الثقافة العربية هو أصول الفقه, دراسة للمعنى على مستوى استنباط الأحكام الفقهية من النصوص, وهو أمر يثير في الذهن مقابلة فكرية بين هذا وبين استنباط الأحكام المنطقية من القضايا, مما يبرر دعوى وجود منهج فكري إسلامي مغاير للمنهج الآخر الإغريقي لاستنباط الأحكام والنتائج من النصوص. ولكن المعنى في الحالتين -حالة الأصوليين وحالة المناطقة- "حكم" أي: إنه ليس عرفيًّا ولا اجتماعيًّا, وإنما هو عقلي فني لا صلة له بالعرف العام, وإن اتصل بعرف خاصٍّ هو عرف الأصوليين أو عرف المناطقة. وكما نظر المناطقة في المطابقة والتضمن واللزوم والماجرى والماصدق والحد والمقولة والجنس والنوع والفصل والخاصة والعرض, وفي المقدمة الصغرى والكبرى, وفي الكلية والجزئية, وفي السالبة والموجبة, نظر الأصوليون في مفاهيم اقتضاها منهجهم, سواء من حيث العلاقة بين الكلمة ومدلولها, أو من ناحية القواعد الأصولية العامة, أو من ناحية طريقة الحكم. فأما من حيث دلالة الكلمة فقد قسَّموها باعتبارات مختلفة هي: الوضع والاستعمال والوضوح والقصد, ولكن اختلف نظر الحنفية عن نظر الشافعية بالنسبة لدلالة القصد, كما يبدو من التخطيطين التاليين: