غير أن توفي معاني النحو فيما بين الكلم قد بلغت في الوضوح والظهور والانكشاف إلى أقصى غاية وإلى أن تكون الزيادة عليه؛ كالتكلف لما لا يحتاج إليه, فإن النفس تنازع إلى تتبع كل ضرب من الشبهة.... إلخ.
ولنا على ذلك تعليقات:
١- إن النظم كما فهمه عبد القاهرة هو نظم المعاني النحوية في نفس المتكلّم لا بناء الكلمات في صورة جملة, ويمكن فهم ذلك من عبارتين هما رأيه في الاقتباس الأول:"إن مدار أمر النظم على معاني النحو" وفي الاقتباس الثاني: "أنه لا معنى للنظم غير أن توفي معاني النحو فيما بين الكلم".
٢- أشار عبد القاهر إلى ما سماه:"الفروق", وهي إشارة ذكية إلى ما شرحناه من أمر القيم الخلافية أو المقابلات بين المعنى والمعنى, أو بين المبنى والمبنى.
٣- في قوله:"موقع بعضها من بعض" إشارة إلى ما اشتهر في عرف النحاة باسم "الرتبة".
٤- في قوله:"واستعمال بعضها مع بعض" إشارة إلى ما سنشرحه من أمر التضام وهو تطلب إحدى الكلمتين للأخرى, واستدعاؤها إياها, وسنعده من القرائن اللفظية فيما سيأتي إن شاء الله.
وأما "البناء" فأنا أفهم من عرض عبد القاهر للموضوع أنه جعله للمباني بحسب المعاني النحوية "الوظيفية", كأن "تبنى" لمعنى الفاعلية "مبنى" هو الاسم المرفوع في بعض المواطن أو ضميرًا متصلًا في موضع آخر وضميرًا مستترًا في موضع ثالث, فالبناء كما أفهمه عنه هو اختيار المباني التي يقدمها الصرف للتعبير عن المعاني النحوية, وبوضع فكرة "النظم" بإزاء فكرة "البناء" يكون عبد القاهر قد عبَّر عن الارتباط بين المعنى والمبنى كما عرضنا فهمه في هذا الكتاب.