للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

والواضح أن الجملة الاسمية في اللغة العربية لا تشتمل على معنى الزمن, فهي جملة تصف المسند إليه بالمسند, ولا تشير إلى حدث ولا إلى زمن, فإذا أردنا أن نضيف عنصرًا زمنيًّا طارئًا إلى معنى هذه الجملة جئنا بالأدوات المنقولة عن الأفعال, وهي الأفعال الناسخة, فأدخلناها على الجملة الإسمية فيصبح وصف المسند إليه بالمسند منظورًا إليه من وجهة نظر زمنية معينة, فهذه النواسخ في دلالتها على الزمن تشبه ما أشرنا إليه من الأفعال المساعدة في اللغة الإنجليزية, ولكنها لا تشبهها فيما وراء ذلك, ومن هنا كانت ترجمة earth is round بعبارة "الأرض تكون كروية" ترجمة خطأ؛ لافتئاتها على طرق التركيب العرفية باللغة العربية الفصحى, وهي لغة تفهم علاقة الإسناد دون حاجة إلى مساعد, بل تتخذها هي نفسها قرينة على معنى الباب المفرد.

ولقد حاول بعض الباحثين بالنظر إلى استغناء اللغة العربية عن هذه الضمائم الزمنية بالنسبة للجملة الاسمية وعدم الحاجة إلى النواسخ إلّا حين إرادة إدخال معنى الزمن على الجملة الاسمية أن يصوّر ذلك بصورة الميزة التي تمتاز بها اللغة العربية على لغات أخرى أجنبية؛ من حيث يمكن للمتكلم بهذه اللغة أن يلمح العلاقة لمحًا عقليًّا, وتحتاج اللغات الأخرى إلى كلمات خاصَّة للدلالة على الإسناد, ولست أحب أن أدخل في مجال حصر نواحي عبقرية اللغة العربية وامتيازها على غيرها من اللغات؛ لأن هذه القضية في نظري تعتبر مما وراء منهج اللغة meta linguistic, ولأمرٍ ما كانت هذه القضية مما اشتمل عليه كتاب لفيلسوف معاصر١. أما ما اهتم له اهتمامًا كبيرًا فهو التأكيد على علاقة الإسناد باعتبارها قرينة معنوية لتمييز المسند إليه من المسند في الجملة في ظلّ ظاهرة كبرى تحكم استخدام القرائن جميعًا هي ظاهرة "تضافر القرائن", وهي ظاهرة ترجع في أساسها إلى أنه لا يمكن لظاهرة واحدة أن تدل بمفردها على معنى بعينه, ولو حدث ذلك لكان عدد القرائن بعدد المعاني النحوية, وهو أمر يتنافَى مع مبدأ عام آخر هو تعدد المعاني


١ فلسفة اللغة العربية للدكتور عثمان أمين.

<<  <   >  >>