٢- إننا لو افترضنا أن كل الإعرابات تَمَّت على أساس الحركة الظاهرة فلم يكن هناك إعراب تقديري ولا إعراب محلي, فإننا سنصادف صعوبة أخرى تنشأ عن أنَّ الحركة الواحدة تدل على أكثر من باب واحد, ومن هنا تصبح دلالتها بمفردها على الباب الواحد موضع لبس.
ومن هنا كان الاتكال على العلامة الإعرابية باعتبارها كبرى الدوالّ على المعنى, ثم إعطاؤها من الاهتمام ما دعا النحاة إلى أن يبنوا نحوهم كله عليها عملًا يتسم بالكثر من المبالغة وعدم التمحيص, وقد سبق لنا مثل هذا القول عند بداية الكلام عن القرائن اللفظية, ويكفي لإظهار اهتمامهم بهذه العلامة الإعرابية أن أطلقوا على تحليل النص تحليلًا نحويًّا اسم "الإعراب" وهو -كما علمونا- اسم يطلق على تفسير أواخر الكلمات بحسب العوامل.
وإذا كان العامل قاصرًا عن تفسير الظواهر النحوية والعلاقات السياقية جميعها, فإن فكرة القرائن توزع اهتمامها بالقساطس بين قرائن التعليق النحوي معنويها ولفظيها, ولا تعطى للعلامة الإعرابية منها أكثر مما تعطيه لأية قرينة أخرى من الاهتمام. فالقرائن كلها مسئولة عن أمن اللبس وعن وضوح المعنى, ولا تستعمل واحدة منها بمفردها للدلالة على معنًى ما, وإنما تجتمع القرائن متضافرة لتدل على المعنى النحوي, وتنتجه لا كما يأتي حاصل الجمع من اجتماع مفردات المعدودات, بل كما يأتي المركب الكيماوي من عناصر مختلفة, أي إنه إذا صحَّ أن تُسمَّى مفردات القرائن عند إرادة التحليل فإن الاستعمال اللغوي لا يعرف من أمر ذلك شيئًا, ولا يعرف إلّا قرينة كبرى واحدة يسميها "وضوح المعنى", ويسميها اللغويون "أمن اللبس", وتقوم هذه القرينة الكبرى من قرائنها الفرعية مقام ناتج التفاعل الكيميائي من العناصر التي نتج عنها؛ إذ لا يشبه منها واحدًا بمفرده.
وفائدة القول بالاعتماد على القرائن في فهم التعليق النحوي أنه ينفي عن النحو العربي: