يستعمل كلمة التغيير هنا عمدًا ليشمل بها القلب والإبدال والتسهيل, وأما الألف فإنها لا تدغم في غيرها مطلقًا, ولكن سيبويه ينص على الهاء بصفة خاصة لما بينها وبين الألف من صلة قربى في نظره. والواو والياء لا تدغمان فيما يقاربهما حتى لو سبقتهما الفتحة فصارتا مظنَّة الإدغام لكونهما أصبحتا حرفي لين لا حرفي مد, وقد مثَّل سيبويه لذلك بأمثلة هي: رأيت قاضي جابر, ودلو مالك, وغلامي جابر, وأخرج ياسر. والإدغام ممتنع من باب أولى إذا كانت الياء والواو مدًّا نحو: ظلموا مالكًا, واظلمي جابرًا.
وأما الطائفة الثانية "التي لا تدغم في مقاربها, ولكن يدغم فيها مقاربها" فيه أربعة حروف أيضًا هي:
"م ف ر ش"؛ فالميم لا تدغم في الباء نحو: أكرم به, بل إن النون تصير إليها قبل الباء نحو:"العنبر" و"من بدا لك", ولكن الباء تدغم في الميم نحو:"اصحمَّطرًا = اصحب مطرًا". والفاء لا تدغم في الباء, قال سيبويه: لأنها من باطن الشفة السفلى وأطراف الثنايا العليا وانحدرت إلى الفم, وقد قاربت من الثنايا محرج الثاء فلم تدغم فيما لا تدغم فيه الثاء نحو:"اعرف بدرًا", ولكن الباء قد تدغم في الفاء للتقارب ولأنها قد ضارعت الثاء فقويت على ذلك لكثرة الإدغام في حروف الفم؛ نحو قولك:"إذهفِّي ذلك = إذهب في ذلك". والراء لا تدغم في اللام ولا في النون لأنها مكررة, وهي تَفَشَّى, إذا كان معها غيرها فكرهوا أن يجحفوا بها بإدغامها فيما لا يتفشَّى ولا يكرر "ويقوى ذلك أن الطاء وهي مطبقة لا تجعل مع التاء تاء خالصة؛ لأنها أفضل منها بالإطباق", وذلك قولك:"اجبر لبطة" و"اختر نقلًا", ولكن قد تدغم اللام والنون مع الراء نحو:"هرَّأيت = هل رأيت", و"مرَّ أيت= من رأيت". والشين لا تدغم في الجيم لأن الشين استطال مخرجها لرخاوتها حتى اتصل بمخرج الطاء فصارت منزلتها منها منزلة الفاء من الباء, فاجتمع هذا والتفشِّي فكرهوا أن يدغموها في الجيم كقولك:"افرش جبلة", ولكن تدغم الجيم في الشين كما أدغمت اللام والنون في الراء نحو:"أخر شيئًا =أخرج شيئًا".