المتكلم أمر حادثة مات فيها عدد من أصحابه وأقربائه, ولكنه يريد أن يبدو هادئًا في سرد القصة لئلّا يثير أحزان السامعين بصورة أشد, فيصطنع لهذا الكلام الذي يحتمل نغمة الحسرة والجزع نغمة أخرى فيها هدوء وتماسك. فهنا تعطى الجملة وظيفة جديدة ونغمة غير نغمتها التي في النظام, ويكون التنغيم ظاهرة سياقية.
٣- يحدث أحيانًا أن يستعمل المتكلم النغمة على صورة تقوى من العلاقة بين إحدى كلمات السياق وبين معناها الذي سيقت له, فإذا قال:"بلاد بعيدة" عبَّر عن شدة البعد بمد الياء مدًّا طويلًا, وكذلك الفتحة التي بعدها من كلمة "بعيدة", ونطق الياء والفتحة على نغمة واحدة مسطحة عالية نوعًا ما. وإذا أراد أن يقول: إنه قذف حجر إلى أعلى فوصل إلى علوٍّ شاهق فلربما منح ذلك التنغيم نفسه لكلمة "فوق" فمد حرف المد منها بصورة ملحوظة ورفع الصوت به. وهذه الظاهرة يستغلها ملحنو الأغاني كثيرًا. وإذا أراد التعبير عن التراوح بين مكانين بقوله:"رايح جاي" أعطى كلًّا من الكلمتين نغمة خاصة كان يجعل نغمة "رايح" أعلى من نغمة "جاي", ثم يكرر الكلمتين كلًّا منهما بنغمتها مقويًا معنى تكرار الرواح والمجيء بهذا النوع من التنغيم.
هذه بعض الأمثلة التي تجعل التنغيم ظاهرة موقعية تحل مشكلة تطبيق نظام التنغيم في النحو على السياق الاستعمالي حين تتعارض قواعد النظام مع مطالب السياق.