للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

القادر المعين بالنبي -صلى الله عليه وسلم- وهو الوسيلة وهو المشفع عند الله. والله يجيب المضطر إذا دعاه وتوسَّل إليه "لاحظ كلمة الضر في البيت"، والمسلمون في حاضرهم هم مضطرون ضعاف بين الأمم, وهم لا يصلون في مراتب التقوى إلى مرتبة المجتمع الصالح, ومن ثَمَّ فهم بحاجة إلى شفيع ووسيلة قربى وزلفى إلى الله مخافةَ ألا تجاب دعواتهم بدونه. وكل هذه الحقائق تأتي من خارج النص, ويشير إلى أن المعنى بدون هذه الاعتبارات الاجتماعية والدينية غير مكتمل. وليس الفرد الذي نشأ في إطار هذه الثقافة بحاجة في فهم البيت إلى كل هذا الشرح الطويل, وإنما يتقبله ويفهمه فهمًا سريعًا بما لهذا الفرد من نشأة في إطار هذه الثقافة.

هذا هو المقصود بفكرة "المقام", فهو يضمّ المتكلم والسامع, أو السامعين والظروف والعلاقات الاجتماعية والأحداث الواردة relevant في الماضي والحاضر, ثم التراث والفلكور والعادات والتقاليد والمعتقدات والخزعبلات, ولولا هذا المقام وما يقدمه العنصر الاجتماعي من قرائن حالية حين يكون المقال موضوعًا للفهم؛ لاعتبر الناس التمائم والأحجبة والسحر وهي مما يشتمل على كلمات لا تفهم ضربًا من ضروب الهراء, أو لما أعطوه ما يعطونه من تقبّل وتسامح على الأقل. ولقد سبق أن سقنا نصًّا هرائيًّا في الكلام عن النظام النحوي, وأشرنا إليه في سياق ذلك الفصل, وبرهنا من وضوح الوظائف فيه على إمكان إعرابه على رغم خلوه من عنصري المعنى المعجمي والمقام الاجتماعي. أما في السحر والتمائم والتعاويذ, فإن المعنى الدلالي يتوقف على المقام الاجتماعي لهذه النصوص غير المفهومة بسبب حاجتها إلى الوضوح الوظيفي والمعجمي, فمعنى السحر والتميمة والتعويذة هو قبولها في مقامها الخاص في إطار الثقافة الشعبية.

سبق أن وضعنا تخطيطًا للمعنى الدلالي في أوّل هذا الفصل فجعلناه يشتمل على عنصرين لا غنى له عن أحدهما, وذانك هما المعنى المقالي "ويشمل المعنى الوظيفي -المعنى المعجمي -القرائن المقالية الأخرى", والمعنى المقامي

<<  <   >  >>