ولقد كان قراءة سيبويه -ولا يزالون- يجدون صعوبة في فهم مصطلحات سيبويه التي استعملها في تحليله للأصوات العربية, إما لأنهم لا يرون لهذه الاصطلاحات عنصر الأطراد في الدلالة, وإما لأنهم يخلطون بين معناها المعجمي ومعناها الاصطلاحي, وإما لأسباب أخرى, ولكن الأمر الذي لا شك فيه أن كل مَنْ تحدثت إليهم من قراء سيبويه سواء منهم أصحاب الثقافة العربية التقليدية الخالصة, ومن خلطوا بين هذه الثقافة وبين الثقافة الحديثة, يجدون في أنفسهم أشياء من مصطلحات سيبويه في باب الإدغام, حتى ذهب بعضهم إلى أن سيبويه فهم النحو والصرف فهمًا تامًّا عن شيوخه, ولكنه لم يفهم عنهم الأصوات, ومن ثَمَّ لم يستطع أن ينقلها واضحة للناس. ولقد حاولت أن أنظر على مهل في مصطلحات سيبويه التي يستعملها في دراسة الأصوات, فوجدتني أهتدي فيها إلى فهمٍ لعله يكون صائبًا, وسأعرض هذا الفهم فيما يلي:
يستعمل سيبويه طائفة من المصطلحات منها ما لا لبس فيه كالتفخيم والترقيق والأنفي والمكرر والمنحرف وهلم جرا، ومنها ما يعتوره اللبس إما لأنه لا يسمَّى ظاهرة يمكن ضبطها كالإشباع والاعتماد والاستعلاء والاستفال, وإما لأنه يسمّى ظاهرة يمكن ضبطها, ولكنه لا يحددها تحديدًا شافيًا كالجهر والهمس والصوت والنفس والإطباق والانفتاح. وفيما يلي محاولة لاستشفاف ما يقصده سيبويه بهذه المصطلحات, يقول سيبويه:"فالمجهور حرف أشبع الاعتماد في موضعه, ومنع النفس أن يجري معه حتى ينقضي الاعتماد عليه ويجري الصوت, فهذه حال المجهورة في الحلق والفم إلّا النون والميم قد يعتمد لهما في الفم والخياشيم فتصير فيهما غنة", ثم يقول:"وأما المهموس فهو حرف أضعف الاعتماد في موضعه حتى جرى النفس معه, وأنت تعرف ذلك إذا اعتبرت فرددت الحرف مع جري النفس", وينبغي لنا هنا أن نسجل الملاحظات الآتية:
١- يظهر أن الإشباع والإضعاف كما يبدو من المقابلة بينهما ووضوح معنى الثاني منهما -إذ أن معنى الإضعاف سلب القوة- يمكن فهمهما على النحو التالي: