جـ- إن الصرفيين حين نسبوا السكون إلى حرف المد عند الكلام عن التقاء الساكنين كما في "الضالين" و"مدهامتان" لم يقصدوا أن حرف المد مشكل هنا بالسكون؛ لأن المد والحركة لا يقبلان السكون ولا الحركة, وإنما قصدوا به شيئًا شبيهًا باعتبار العروضيين أن حرف المد يساوي من حيث الكمية الإيقاعية حركة متلوة بسكون.
٤- الجهة الرابعة من جهات الفرق من حيث الوظيفة بين الصحاح والعلل: أن الجهر والهمس باعتبارهما قيمتين خلافيتين يفرقان بين الصحيح والصحيح, ولا يفرقان بين العلة والعلة؛ لأن العلل جميعًا مجهورة في اللغة العربية الفصحى, وإن حدث أحيانًا أن يهمس بعضها في الكلام كما سنرى فيما يسمونه اختلاس الحركة والروم والإشمام وهلم جرا, مما يعتبر من إجراءات الأداء لا من نظام اللغة.
٥- إن الحروف الصحيحة إذا طالت كميتها "أي: شددت" دلت إما على المقاطع أو على الوقف, فإذا قلنا مثلًا:"علَّم", فإن التشديد يدل هنا على تعدد المقطع؛ لأن الكلمة مكونة من مقطعين هما على "ص ح ص" لم "ص ح ص", وإذا قلنا:"يا رب", فإن إسكان المشدد في الآخر يدل على الوقف. أما حروف العلة فإن طول الكمية -المد- فيها لا يدل على تعدد المقطع ولا يدل بالضرورة على الوقف.
هذه هي الوظائف التي يؤديها الحرف الصحيح في اللغة العربية الفصحى والتي لا يؤديها حرف العلة. وهناك وظائف تؤديها حروف العلة في اللغة ولا تؤديها الحروف الصحيحة, يمكن أن نجملها على النحو الآتي:
أ- إن حروف العلة تؤدي مهمة جليلة في اللغة العربية؛ حيث تعتبر أساسًا لقوة الأسماع Sonority في هذه اللغة الراسخة القدم في تاريخ المشافهة, وهذه الخاصية بعينها هي التي لاحظ الدكتور طه حسين بحق أنها طابع الأدب العربي, وسماها الطابع الإنشادي في الأدب. ونزيد على ذلك أنها كانت طابع العلم العربي أيضًا حيث تواتر بواسطة الرواية حتى عصر التدوين, أو بعد هذا العصر بقليل. ولقد لاحظ العروضيون أهمية حروف