الخلافية, وهي قيم عدمية شكلية ووظيفية, إن صحَّ أن يقوم عليها نظام ساكن صامت لم يصح أن يقوم عليها سياق متحرك منطوق, وهذا التقابل بين النظام والسياق هو الذي سميته: مشاكل التطبيق, أي: مشاكل وضع النظام في مجال عمل وحركة مع ما يقود إليه ذلك من تعارض مطالب السكون ومطالب الحركة. ولقد جاءت حلول مشاكل التطبيق على الأنظمة جميعًا في صورة حلول صوتية، وقد سميتها جميعًا ظواهر موقعية, ووضعتها جميعًا في ذيل الأنظمة اللغوية الثلاثة لتوقف المعاني الصرفية والنحوية عليها في الأعم الأغلب. وبيَّن هذا الكتاب النظام الصرفي للغة المبني على قيم خلافية شكلية ووظيفية, ويمكن لهذا النظام كما أمكن للنظام الصوتي من قبله أن يمثَّل في صورة جدول تتشابك فيه العلاقات طولًا وعرضًا, حتى يبدو النظام كلًّا مترابطًا, وفي صورة وحدة عضوية مفردة. ومثل ذلك أمر النظام النحوي للغة كما يمكن أن يرى في موضعه من هذا الكتاب. أما المعجم فهو إن كان جزءًا من اللغة فليس نظامًا, وإنما هو قائمة من الكلمات ذات المعاني المتباينة غير المتقابلة بالضرورة. وأما المعنى الاجتماعي الدلالي فينبئ على فكرة المقام الذي يجري فيه الكلام ويتوقف فهمه عليه, ولا يستغني عن التحليل اللغوي للمقال, أي: الجملة المنطوقة أو المكتوبة. وهذا المقام تحدده التجربة الاجتماعية, وتتعدد المقامات الاجتماعية بحسب إطار الثقافة, ولكن المقامات حتى في هذا الإطار لا تسلك في نظام ثابت لأن الثقافة تتطور.
والغاية التي أسعى وراءها بهذا البحث أن ألقي ضوءًا جديدًا كاشفًا على التراث اللغوي العربي كله, منبعثًا من المنهج الوصفي في دراسة اللغة. وهذا التطبيق الجديد للنظرة الوصفية في هذا الكتاب يعتبر -حتى مع التحلي بما ينبغي لي من التواضع- أجرأ محاولة شاملة لإعادة ترتيب الأفكار اللغوية تجري بعد سيبويه وعبد القاهر. أقول: أجرأ محاولة, لأنني أعرف أنها كذلك, ولا أقول أخطر محاولة؛ لأنني لا أعلم ما يترتّب عليها من آثار, ولو أن جمهور الدارسين أعطى هذا الكتاب ما يسعى إليه من إثارة الاهتمام، فإنه ينبغي لهذا الكتاب أن يبدأ عهدًا جديدًا في فهم العربية الفصحى مبناها ومعناها, وأن يساعد على حسن الانتفاع بها لهذا الجيل وما بعده من أجيال. والله أسأل أن يوفقنا جميعًا إلى سواء السبيل.