للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الاتجاه الثاني: ويخالف الإمام أبو حنيفة أصحاب الاتجاه الأول بالنسبة لرئيس الدولة، إذا لم تكن هناك سلطة تعلوه، أو تستطيع تنفيذ العقوبة عليه، فإنه والحالة هذه إذا ارتكب جناية، وقع الاعتداء فيها على ما فيه حق الله، فإن القائلين بهذا الاتجاه يعفو رئيس الدولة "الإمام" من إقامة الحد عليه.

لأن إقامة الحد عند أصحاب هذا الاتجاه حق لله تعالى، ورئيس الدولة هو المكلف بذلك، ولا ولاية لأحد عليه، فمن يحاكمه؟

ولا يعقل أن ينكل الإمام، ويعرضها للخزي والهوان، كما أن الإمام إذا وجب عليه حد لارتكابه إحدى الجرائم الموجبة للحد، والتي يلزم بارتكابها الرجم مثلًا، كان مهدر الدم، فإذا قتله أي فرد من الأمة لا يعاقب على قتله بالقصاص نظرًا؛ لأنه قتل شخصًا مباح الدم، وبذا يصبح الحاكم عرضه لتسلط العامة عليه، وهذا ما لم يرتضه القائلون بهذا الاتجاه١.

وليس معنى هذا أن يصبح الفعل الذي يقوم به رئيس الدولة غير مجرم، بل هو فعل مجرم، ولكن العقاب عليه غير ممكن، إلا في حالة ما إذا فصل رئيس الدولة بين السلطات، وجعل القضاء سلطة مستقلة، وعين من يقوم بالقضاء في الدولة، وأناط بمن يقوم بالقضاء سلطة تنفيذ ما يقضى به، إذا حدث ذلك فإن ما يقوم به رئيس الدولة من أفعال مجرمة تلزمه عقوبتها، ويقوم القاضي بتنفيذ العقوبة الحدية على رئيس الدولة إذا ارتكب من الأفعال ما يوجبها عليه٢.


١ حاشية الطهاوي على الدر المختار ج٤ ص٢٦٠ ط الثالثة.
٢ فتح القدير ج٤ ص١٦١ الأميرية.

<<  <   >  >>