اهتم فقهاء الشريعة الإسلامية، وعنوا عناية فائقة بالجرائم الحدية، وتحدثوا عنها حديثًا تناول هذه الجرائم، وعقوباتها من كل نواحيها وأركانها وشروط إثباتها.
ولكنهم لم يعرضوا هذا كله مصنفًا، بجمع كل ما يتصل بالجريمة، وعقوبتها في صورة متتابعة متكاملة.
وإنما جاء حديثهم عن الجرائم وعقوباتها، وما يتصل من شروط وأركان، وما يعتري الأفعال المجرمة من شبهات تخرجها عن دائرة التجريم الحديث، حديثًا متناثرًا.
لهذا سأعرض ما جاء من تعريف للشبهة عند بعض الفقهاء الذين وضعوا تعريف لها مثل فقهاء الأحناف.
أما من لم يضعوا تعريفًا مستقلًا لها، فسأحاول أن أجمع ما جاء من حديث لهم من الشبهات، وأستخرج مه ما يرسم، ويحدد معنى الشبهة عندهم.
وهذا البيان الذي وضعه الجرجاني للشبهة بيان لها بحسب حال الجاني الذي اختلط عليه حل الفعل وتحريمه، ولا يوجد ما يقوي أحد الاحتمالين عند الجاني، أو يغلب أحدهما على الآخر١.
وتردد الفعل بين الحال والحرمة في نظر الجاني، ينتج غالبًا من اختلاف الفقهاء في بيان الحكم مسألة لم يرد في حكمها نص صريح.
ففي مثل هذه المسألة يعمل كل من الفقهاء رأيه في استنباط حكم لها، بقدر ما يتيسر له من علم ومعرفة واجتهاد، حتى يوصله ذلك كله إلى استنباط حكم معين، وقد يكون هذا الحكم مخالفًا لما رآه الآخرون من الفقهاء، كما قد يكون موافقًا لرأيهم، فإذا كان بعض الفقهاء قد رأى رأيا في حكم مسألة ما من المسائل، ورأى البعض الآخر رأيا مخالفًا
١ التعريفات لعلي بن محمد الحسيني الجرجاني ت٨١٦هـ ص١١.