للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[المبحث الثالث: الشبهات التي تعتري إثبات شرب الخمر]

[أولا: إثباتها بالإقرار وما يعتريه من شبهات]

...

المبحث الثالث: للشبهات التي تعتري إثبات شرب الخمر

أولًا: إثباتها بالإقرار وما يعتريه من شبهات

يرى جمهور الفقهاء أن جريمة شرب الخمر، تثبت بإقرار الجاني، ولو مرة واحدة، وذلك نظرًا؛ لأن الحد الواجب على المقر لا يترتب عليه إتلاف، ولهذا قاس جمهور الفقهاء إثباتها بالإقرار الواحد بإثبات جريمة القذف، فيقول بن قدامة: "ولا يجب الحد حتى يثبت شربه بأحد شيئين الإقرار، أو البينة، ويكفي في الإقرار مرة واحدة في قول عامة أهل العلم؛ لأنه حد لا يتضمن إتلافًا، فأشبه حد القذف"١.

ولم يقيد جمهور الفقهاء الإثبات بالإقرار بوجود رائحة الخمر، وإن كان الإمام أبو حنيفة، وأبو يوسف قد اشترطا للاعتداد بالإقرار هنا، أن يكون رائحة الخمر موجودة بفم المقر، فإن أقر بشربه الخمر، ولم تشم منه رائحتها، فلا يحد عند أبي حنيفة، وأبي يوسف٢.

كما ذهب أبو يوسف إلى القول: باشتراط أن يعتدد الإقرار من الجاني بعدد الشهود الذين تثبت الجريمة بشهادتهم، وذلك؛ لأنه يرى أن كل إقرار يسقط بالرجوع، فعدد الإقرر فيه كعدد الشهود٣.

كما قد جاء عن فقهاء الشيعة اشتراط ذلك التعدد، وإن كان هذا الرأي خلافًا للمشهور عندهم٤.

وما أرجحه من ذلك، هو أنه يكفي لإثبات جريمة الشرب، وإلزام الحد إقرار الجاني، ولو مرة واحدة، وجدت رائحة الخمر، أو لم توجد نظرًا لانتقاء التهمة؛ لأن الإنسان لا يتهم نفسه، فلا يشترط التعدد، ولا وجود الرائحة، فلا يسقط الحد بشيء من ذلك، ولا يرد الإقرار، وما يترتب عليها إلا الرجوع عنه، فإذا رجع المقر عن إقراره درئ الحد عنه؛ لأن الحق هنا خالص لله سبحانه وتعالى


١ المغني ج٨ ص٣٠٩.
٢ فتح القدير ج٥ ص٣٠١-٣٠٥.
٣ بدائع الصنائع ج٧ ص٥٠.
٤ مباني تكملة المنهاج ج١ ص٢٧٢- ويراجع الخرشي ج٨ ص١٠٩، حاشية الدسوقي ج٤ ص٣٥٣، مغني المحتاج ج٤ ص١٩٠.

<<  <   >  >>