أولًا: الوطء الذي لا تجب به العقوبة الحدية نظرًا لجهل الفاعل بالحكم الشرعي لما وقع منه من أفعال، جهلًا يعتد به
ويعتبر الفقهاء جهل الفاعل بالحكم الشرعي مسقطًا للعقوبة الحدية، إذا كان من أتى الوطء مقيمًا بعيدا عن البلاد الإسلامية، ولم يتيسر له معرفة الأحكام الشرعية بسبب خارج عن إرادته، بحيث تصبح معرفة الأحكام بالنسبة له أمرًا معتذرًا، كمن يقيم بجزيرة نائية، وليس لديه من سبل المعرفة ما يمكنه من الوقوف على الأحكام الشرعية، وكان قد صادق من حدثه عن الإسلام حديثًا موجزًا، فاقتنع به وأمن، ولم يفسر على أحكام تجريم الزنا مثلًا، لضيق وقت من علمه مبادئ الإسلام عن أن يحدثه عن ذلك، ولم يتيسر له معرفة بقية الأحكام، فلو أن هذا الشخص وقع منه الوطء المحرم المعاقب عليه بالعقوبة الحدية، فإنه لا تلزمه هذه العقوبة؛ لأنها تندرئ عنه لجهله بالحكم الشرعي.
ومثله من أسلم حديثًا، ولم يتعلم أحكام الإسلام، وكانت النظم العقابية التي يحتكم إليها قبل إسلامه لا تجرم الزنا، وغيره من العلاقات غير المشروعه في الإسلام بين الرجل، والمرأة فواقع امرأة أجنبية عنه، فإنه لا تجب عليه العقوبة الحدية بفعله هذا لوجود شبهة جهلة بالحكم الشرعي، وهي الشبهة التي يترتب عليها درء العقوبة الحدية، لانتفاء القصد الجنائي، ومثل هذا أيضًا من كان مجنونًا، منذ أن كان طفلًا لا يدرك، ثم ظل على جنونه حتى بلغ ثم أفاق من جنونه، وقبل أن يعلم شيئًا من أحكام الإسلام، واقع امرأة أجنبية، فإن لفعله هذا وإن كان زنا، إلا أنه لا يوجب العقوبة الحدية عليه، لجهله بالحكم الشرعي.
يقول الشيرازي مبينا ذلك: "ولا يجب -الحد- على من لا يعلم تحريم الزنا، لما روى سعيد بن المسيب قال: ذكرنا الزنا بالشام، فقال رجل: زنيت البارحة. فقالوا: ما تقول، قال: ما علمت أن الله