ورفيقه لا يعلم لهذه العقوبة مقدار معينًا قد ورد عن الرسول -صلى الله عليه وسلم، وإذا كان عمر -رضي الله تعالى عنه لا يعلم أيضًا مقدارًا معينا قد ورد عن الرسول في ذلك، وإذا كان علي -رضي الله تعالى عنه- قد لجأ إلى القياس لاستخراج مقدار معين للعقوبة، فجعلها تساوي عقوبة الافتراء، إذا كان ذلك كله قد وقع، فلا أدل منه على أن عقوبة شرب الخمر عقوبة تعزيرية يترك تقدير عدد الجلدات فيها لولي الأمر، حسب ظروف الأمة، وأحوال الرعية أما ما استدل به القائلون بأن عقوبة شرب الخمر عقوبة حدية مقدرة من لدن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ لأنه ضرب في شرب الخمر أربعين، وأن أبا بكر الصديق -رضي الله تعالى عنه قد تابع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في ذلك، وكذلك عمر في أول ولايته، وقال هؤلاء: لو كانت عقوبة شرب الخمر تعزيرية من أول أمرها لما كتب خالد إلى عمر -رضي الله تعالى عنهما يستشيره، ويأخذ رأيه في زيادة العقوبة لما شاعت هذه الجريمة، وتحافر الناس عقوبتها١.
وما استدل به هؤلاء هو نفسه يرد عليهم، ويدرأ مقالتهم وذلك؛ لأن الرسول -صلى الله عليه وسلم، وإن كان قد ضرب بعض شاربي الخمر أربعين، فإنه أيضًا قد ورد عنه لما أتى بشارب وهو بحنين، حثا في وجهه التراب، ثم أمر أصحابه فضربوه بنعالهم وما كان في أيديهم، حتى قال لهم:"ارفعوا" فرفعوا.
فهو عليه الصلاة والسلام، هنا تركهم يضربون الشرب حتى وجد أن فيما ضرب كفاية لزجره، وردعه هو أو أمثاله.
ومن هنا، فإن الصحابة الأجلاء لم يعرفوا لهذه العقوبة حدا معينًا.