للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والإجابة سهلة ميسورة، فالشريعة الإسلامية لم تفرض عقوباتها، وتنزلها بالأبرياء الآمنين، وإنما فرضتها، وأنزلتها بالأشقياء الخائنين الذين ينتهكون حرمات الناس والمجتمع، ويقوضون أمن الناس وسلامتهم، ويدنسون الأعراض، ويبطشون ويقتلون الآمنين، وهؤلاء الأشرار لهم تباغتهم الشريعة بعقوباتها، وإنما أعلنت الشريعة عقوباتها الصارمة الحازمة لهؤلاء ولغيرهم، فإذا استهان الأشقياء بهذه العقوبات، وانتهكوا الحرمات، وأصبحوا معاول هدم في بناء المجتمع وكيانه، بعد أن ضمن لهم المجتمع حياة آمنة مطمئنة، وأعطاهم من الحقوق ما لغيرهم وساوى بينهم وبين حاكمهم، فهل يكون عقاب هؤلاء الأشرار على ما أجرموا -في حق المجتمع الذي كفل لهم كل هذا- منافيًا للرحمة؟.

إن القضية معكوسة ولا شك؛ لأن الرفق بمثل هؤلاء هو القسوة على المجتمع والإجرام في حقه، فكيف يرحم من لا يرحم، إن ذلك من البديهات التي لا يحتاج عناء في إثباتها، والقطع بها.

كما أن العقاب بالرجم ونحوه مما يزهق الروح يكون العلاج لمجموع الأفراد؛ لأن في هذا من الزجز ما يرجى منه إصلاحهم، ولا يخفى أن الشريعة قد كفلت لهؤلاء الجناة كافة صور الدفاع عن أنفسهم، وإحاطتهم بسياج من الحماية حتى تتأكد إدانتهم بالدليل القاطع الذي لا يعتريه شك.

إن الرحمة الحقة هي التي تقيم العدل، وتهدم الظلم وتفوض أركان الباطل، هذه هي الرحمة التي يرضاها الله ورسوله، وتكفلت بتحقيقها الشريعة الإسلامية السمحة بصورة لا يستطيع مجاراتها في تحقيق هذه الرحمة أي قانون وضعي، مهما كان واضعه، ومشرعه فهي شريعة الله سبحانه وتعالى الذي أنزل من القرآن ما هو شفاء، ورحمة للمؤمنين، وأمرنا بالاستجابه إليه؛ لأن في الاستجابة إليه الحياة.

<<  <   >  >>