للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد أفتى أبو عباس -رضي الله تعالى عنهما- بعدم قطع يد من سرق دابة غيره، وذبحها لدفع الجوع١.

من هذا كله يبين مدى للتشريع العقابي في الإسلام من فضل السبق في الدعوة إلى اعتبار ظروف المجرم، وجعل ذلك مبدأ واجب الالتزام، والخروج بهذا المبدأ إلى حيز التطبيق الفعلي على يد الرسول الكريم، والصحابة الأطهار.

هل بقي مع هذا زعم لقائل.

كما أن هناك أمرًا تجب الإشارة إليه، إلا وهو أن الشريعة الإسلامية، وإن كانت فيما وضعته من نظام عقابي قد لاحظت فيه حال المجرم، واهتمت به فهي أيضًا قد اهتمت بالمجني عليه، وأولته من الرعاية والعناية، والاهتمام ما هو أحق به وأولى.

أما من حيث كون العقوبة لا تتناسب والفعل، فإنه ينبغي أن لا ننظر إلى الشيء القليل الذي سرقه الجاني فقط، وإنما لا بد وأن ننظر إلى المسروق منه، ونرعاه -فقد كان آمنا في بيته وأهله على نفسه وماله، فإذ به يفزع بدخول السارق عليه، وما قد يسببه ذلك من هلع وخوف


١ يقول الأستاذ الدكتور: محمد سلام مدكور في بحثه الدفاع الاجتماعي ضد الجريحة ص٦ وما بعدها: "وهنا نشير إلى أن الإسلام قد سبق إلى اعتبار ظروف المجرم، واختلاف النظرة إليه باختلافها، وأن من العلماء المسلمين من تبين ذلك من أمثال ابن حجر الهيثمي الذي أشار في مقدمة كتابه الزواجر عن اقتراف الكبائر إلأى أن كثيرًا من الجرائم، والآثام تختلف النظرة إليه باختلاف حال الآثم من جهة كونه مصرًا على جريمة، وكونها هفوة أو عمدًا، وكونه مضطرًا أو غير مضطر، فليس كل المذنبين في نسبة واحدة ولا مستوى واحد.

<<  <   >  >>